واتّفقت قضيّة خطرة سلّم الله منها، وهي أني كنت مع الملك السعيد في هذه الكرّة، وكان له دواداران (^١)، أحدهما الأمير الإسفهسلاّر (^٢) سيف الدين بلبان الرومي الظاهري، والآخر دونه في الرتبة، وهو الأمير عزّ الدين أيدمر الدوادر. وكان حظّي من الأمير سيف الدين الحظّ الأوفى الأوفر، ومحلّي من تقدمته المحلّ الأعلى الأكبر. فإنّه هو الذي ندبني لخدمة السلطان، وعوّل عليّ في سرّ المكاتبات وجهرها على صغر سنّي وكبر قدر وسنّ من في الديوان. وكان أيدمر لا يجسر عليّ، ولا ينظر في مكاتبة إليّ. فاتفق أن طلبني ونحن على منزلة رأس الماء، فأمرني في خلوة أن أكتب إلى الأمير جمال الدين آقش الكنجي نائب مصياف بإنفاذ أربعين من الفداوية الإسماعيلية ليسيّرهم إلى مولانا السلطان ومن معه من الأمراء، فامتنعت من الكتابة، فعزّ عليه امتناعي، وتغيّرت أوضاعه، ولم تتغيّر / ٢٥ أ / أوضاعي. وقال: أنا أشاور عليك السلطان. ونهض، فخرجت وراءه، ولم أترك معه منزلة من بعدها. ولم أجتمع به وإلى اليوم على قرب المدّة وبعدها.
ولما وصلنا طلبني مولانا السلطان وهو راكب تحت القلعة للحصار، وحوله أمرا الحلّ والعقد، وهو منهم بمنزلة القطب من الدائرة، والقمر من الهالة الممتّعة به الأعين الناظرة. وقال بلسان الأمير بدر الدين بيسري: يا فلان، من كتب لنائب مصياف بطلب الفداوية؟
فقلت: ولا أحد.
فأخرج مولانا السلطان الكتاب من صولقه (^٣). فقلت: يا خوند، هذا خطّ أيدمر، الدوادار. وحكيت له صورة امتناعي، فشكر هو والأمراء.
[خلع الملك السعيد من السلطنة]
وكان قاضي القضاة تقيّ الدين بن رزين جالس (^٤) تحت القلعة لإثبات محضر نظم بعدم أهليّة الملك السعيد ووجوب خلعه.
/ ٢٥ ب / ولمّا طال بالملك السعيد المطال، وضاق به المجال، وولّت عنه
_________
(^١) الدوادار: صاحب الدواة وحاملها للسلطان أو الأمير. وهو يقوم بإبلاغ الرسائل عنه وتقديم القصص والشكاوى إليه. (صبح الأعشى ٥/ ٤٦٢).
(^٢) الإسفهسلاّر: لفظ فارسيّ معناه القائد العام للعسكر.
(^٣) الصولقة: الجعبة أو المحفظة التي تودع فيها الرسائل والخطابات.
(^٤) الصواب: «جالسا».
1 / 49