ومن المعلوم أن الأنبياء لم ترشد أممهم إلى أنه يجب عليهم أن يعلموا نبوءتهم يقينا، وأن ينظروا في ثبوتها، ويستدلوا على اتصافهم بها، وأن يتطرقوا إلى ذلك بمعرفة عدل الله وحكمته، وأنه لا يجوز من الحكيم أن يظهر المعجزة على الكاذب، وأن هذه المعجزة التي ظهرت على النبي خارقة للعوائد، خارجة عن نوع الحيل والشعابذ، ولا قالوا لمن جاءهم مسلما من نحو الأعراب ومن لم يستطع قرع هذا الباب لا يجوز لك أن تعتقد نبوءتنا ولا أن تجيب دعوتنا، إلا بعد أن تنظر في أمرنا، وتيقن صحة ما ذكرنا، فإنه إذا كان فرضه العلم اليقين، ومعرفة صحة النبوة بالأدلة والبراهين، لم يجز له أن يعتقد ذلك، ولو ثبتت النبوءة في نفس الأمر اعتقادا غير يقين، لأنه يكون مقدما على مالا يؤمن قبحه، والإقدام على ما هذه صفته كالإقدام على القبيح، والمقدم على القبيح يجب الإنكار عليه، وليس يصح على الأنبياء أن يقروا من يرتكب محظورا عليه ولا يساعدوه إليه.
Sayfa 148