قلت: والقصد أن يكون له رأي قويم، وتدبير سديد، فإن تعدي الرأي الصائب يجلب أنواع المصائب، ولا بد أن يكون معروفا بحسن السياسة التي يتمكن معها من تمهيد الرئاسة وتدبير أمر الحرب والسلم، وإقامة قانون الحرب مهما كان أرجح وأصح، ويكون مع صواب السلم إليها أجنج، كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الحرب وشن الغارات على من خالفه، وكما سالم يوم الحديبية في إقامة الحرب عشر سنين، لما رأى في الصلح للمسلمين حيث كان الضعف حاصلا فيهم، فانكشف في ذلك الصلح الخير والبركة، فهكذا يكون حال الإمام والمشترط أن يكون أكثر رأيه الإصابة في الحرب والسلم والسياسة.
قيل: (لقاضي عبد الله الدواري): ويدل على أن الإجماع ينعقد من الأئمة على اشتراط ذلك أن كونه على غير هذه الصفة ينقض الغرض بإمامته، ولا يتمكن حينئذ من ضبط الجنود وتقويم أود العساكر، ولا يهتدي إلى ما فيه صلاحهم وتنتظم به أمورهم، وتكون به نكاية العدو أو جلبه إلى الطاعة.
وأما الاجتهاد وبلوغه في العلم إلى درجته: فقد اختلف فيه، والمشهور عن أكثر الأمة أنه لا بد من أن يكون عالما مجتهدا، والمعتبر ما يحرز به نصاب الاجتهاد، ولو احتاج في بعض الأحوال إلى أن يراجع غيره في بعض المسائل ويستمد منه، إذ لا يقدح ذلك في اجتهاد المجتهد، والخلاف فيه من وجوه:
أحدها: ما ذهب إليه الإمامية من اعتبار أن يبلغ في العلم والاجتهاد إلى حد لا يحتاج معه إلى غيره من العلماء في شيء من المسائل، بل شرطوا أن لا يأخذوا شيئا من العلوم إلا عنه، وربما اشترطوا أن يكون أعلم الناس.
وثانيها: ما ذهب إليه الغزالي وصرح به الإمام يحيى بن حمزة في (الانتصار) وحكاه في (الغايات) عن المؤيد بالله عليه السلام أنه إذا أعوز المجتهد فلم يوجد؛ صحت إمامة المقلد؛ لئلا تعطل الأحكام المتعلقة بالإمام.
Sayfa 113