وبعض الشياطين في بلاد يهوذا مأخوذ عن أصنام الوثنيين أو عن الملائكة؛ فإن بين الملائكة أشرارا، وأحد هؤلاء وقف في طريق بلعام عندما نهض لتلبية بالاق بن صفور، ملك مؤاب الذي استنجده على إسرائيل «سفر العدد إصحاح 22»، ومثله الذي كان يعتري شاوول فيضرب داود بيده الكنانة ليصرف الروح الشرير عنه «سفر الملوك إصحاح 16»، وكذلك الذي أثار داود أن يحصي إسرائيل فبعث الرب وباء في إسرائيل، فسقط من إسرائيل 70 ألف رجل، وبعث الله ملاكا إلى أورشليم ليدمرها، وإذ كان يدمر نظر الرب فندم على الشر وقال للملاك: كفى. «سفر الأيام الأول إصحاح 21».
هذه الملائكة الساقطة أو الشياطين كانت تعيش في عزلة، وهي في ظمأ دائم وتعب مستمر، فدبت إلى جسم الإنسان واتخذته لها مقرا تتغذى من مادته، وتسبب له الهستريا والصرع والجنون؛ ولهذا كان الأقدمون يسمون المصابين بهذه الأمراض مشيطنين.
وكما كانوا يعزون الأمراض العصبية إلى الشياطين كانوا يعزون إليها ظواهر الأرض الجيولوجية، فتقول أسطورة يابانية: إن جزيرة كيوشو احتلتها الشياطين. وقد أتتها من أقاصي العالم حاملة معها تلك الأبخرة ذات الروائح الغريبة، ففجرت فيها بحيرات من الماء الحار ولججا من الأوحال المصهورة الغالية، وقدحت في أعالي الجبال شرار النار، فكانت تسمع طقطقة القشرة الأرضية كما كانت تتدحرج الصخور فوق الجزيرة والبحر، وجرت أنهار من الحمم، واشتعلت غابات الصنوبر، وابتلعت الأرض الأكواخ مع سكانها.
وظل سلطان الأبالسة على الجزيرة عصورا وهي تجدد فيها الأذى والشر إلى أن جاءها يوما ستة من الرهبان، ونزلوا في تلك الأرض غير المضيافة، هؤلاء الرهبان كانوا مشبعين بالحكمة وأرواحهم متنزهة عن شوائب الأرض، فاختفت الأبالسة لدى ظهورهم تاركة بخارها الكريه الرائحة وماءها الفاتر الغالي، وشرع الرهبان بإقامة المعابد الجميلة، مرصعة بكل ما تقدمه الصناعة الصينية من غريب الألوان والتزاويق، ورنت على الشاطئ أجراس الهيكل تدعو المؤمنين من أقصى الأرض إلى هذه الجزيرة المطهرة.
وفي وسط هذه الجزيرة التي فجرت الشياطين براكينها أسست مدينة بيبو
Beppu
وحماماتها، وبقيت الماء والأوحال في غليانها يؤمها الناس للاستشفاء، فتستقبلهم أنفاس الكبريت الصاعدة من أعماقها، وتملأ أسماعهم أصوات الماء المنبجس من أقنيته، وقد اصطبغت في غباره أشعة الشمس بألوان قوس قزح، فيبدو للعين مشهد سحري قامت في وسطه تماثيل أبالسة الجحيم.
وأبلغ هذه التماثيل أثرا صورة إله الحرب؛ فإن لها رأسا أسود مخيفا، يزينه قرنان قصيران، وجسما مركبا من الحمم أو الشبه «البرونز»، مرتكزا على صخر وفخذاه غارقتان في الماء، وكأنه وهو يضع يدا على وركه ويقبض بالأخرى على الصولجان يهدد البشر من علو سلطانه.
وقد حفرت في الأرض مراجل مختلفة الحجم يصلها الوحل الأصفر والأحمر وهو في حالة الغليان، كأنه عصيدة سميكة تفور حتى أطراف القدر الذي تطبخ فيه ثم تغور.
ومن هذه التماثيل واحد أخضر كالبحر، وآخر يلقبونه «غدير دم الأبالسة» قرمزي جميل يصبغ الأقمشة التي تلقى فيه بلون أحمر. أما مياه «جحيم الكاهن» فإن حرارتها تبلغ درجة عالية، حتى إن أحد الزوار سقط يوما فيها، فذهب لحمه حالا، ولم يستطع ذووه أن ينتشلوه إلا هيكلا من عظام.
Bilinmeyen sayfa