Nurların İkisi Osman bin Affan
ذو النورين عثمان بن عفان
Türler
ولا بد من استحضار هذه الحقيقة لمنع كل شبهة، وتأويل كل قصد، ودفع كل فرية عند تعليل الطريقة التي اختارها كلاهما لتحقيق هذه البغية واختلفا فيها ظاهرا، ولا اختلاف بينهما باطنا فيما قصدا إليه.
فلا تدبير هناك ولا احتيال لغاية يرميان إليها غير تلك المصلحة أو تلك الوحدة، ومن ظن أن الصديق قد اختار عمر ليقصي عن الخلافة غيره، أو ظن أن عمر قد اختار جماعة الشورى ليرجح الكفة في جانب واحد منهم على سواه؛ فهو ينكر عليهما الإسلام ولا ينكر عليهما حسن النية أو حسن التدبير وحسب، فإن أحدا يؤمن بأنه محاسب على نيته وعمله إذ يودع الدنيا ويستقبل الآخرة؛ لن يحتال ولن يدبر لهواه وهو يعلم أنه يغضب الله بما يفعل، ولو كان لأحدهما هوى في أحد لاختار أبو بكر من بني تيم، واختار عمر من بني عدي أو بني الخطاب، وما كان ينبغي لهما الهوى وهما في سطوة الدنيا وجاه الولاية، فكيف ينبغي لهما وهما مقبلان على الموت مؤمنان بحساب لا شك فيه؟!
لم يكن هناك نظامان دستوريان كما وهم بعض المحدثين، الذين أرادوا أن يعينوا بلغة الدساتير العصرية نظاما لتولية العهد في سابقة الصديق أو سابقة الفاروق، وإنما هما نظام واحد يتبعه كلاهما في موضع صاحبه، فما نحسب أن أبا بكر كان مسميا أحدا بعينه لو كان في موضع عمر، وما نحسب أن عمر كان محجما عن التسمية لو كان في موضع أبي بكر، وليس البحث عندهما أي أولياء العهد أفضل وأحب إليهما، ولكنما البحث الذي يعنيهما ويشغلهما: أيهم أحب إلى المسلمين وأقمن أن يجمعهم على بيعة واحدة وكلمة متفقة، ولا يعقل أن أحدا منهما كان يعلم في طويته أن ثمة وسيلة غير الوسيلة التي اختارها لتحقيق الوحدة المنشودة ثم يعدل عنها؛ ليأثم في حق ربه وحق دينه وحق رسوله وحق المسلمين كافة، تبرعا منه بالإثم حيث لا حاجة ولا مصلحة ولا فرصة بعدها للندم والتوبة.
حضرت الوفاة أبا بكر، فسأل نفرا من نخبة الصحابة عمن يتولى أمور المسلمين بعده، فذكروا عمر وأشار بعضهم إلى شدته، فقال لهم: إنه كان يشتد؛ لأنه يراني رقيقا فإذا وكل إليه الأمر فلا خوف من شدته. وروى محمد بن سعد أن جماعة من الصحابة دخلوا عليه لما عزم على استخلاف عمر، فقال له قائلون منهم: «ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟» فقال أبو بكر: «أجلسوني» ثم جلس فقال: «أبالله تخوفونني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول: لأنني قد استخلفت عليهم خير أهلك. أبلغوا عني ما قلت لكم من وراءكم.»
ثم اضطجع وجاء عثمان بن عفان، فجعل يملي عليه: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا وأطيعوا، فإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذاك الظن به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا علم لي بالغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.»
وكان يملي وتدركه غشية، فلما قال: «استخلفت بعدي» ولم يذكر اسما أتم عثمان وصيته باسم عمر بن الخطاب. ثم أفاق أبو بكر فسأله: ماذا كتبت؟ فأعاد عليه العبارة كما زادها، فدعا له وبارك عليه، وقال له: «هكذا الظن بك، لو كتبت اسمك لكنت لها أهلا.»
والقوم في معرض المحاسبة لأنفسهم أمام الأمانة العظمى لا يصطنعون زخارف المجاملات التي يتلهى بها طلاب الظرف ورواد الأندية في زماننا هذا وقبل زماننا، فما كان عمر ليتنحى عن الأمانة وقد اختير لها وهو يعلم أنه أقدر عليها؛ فإنه محاسب على إنكاره حقه كما يحاسب على إنكار حق غيره إذا اجتمعت له صفة الولاية دونه. فكان يتولى الخلافة وهو يقول: «لو علمت أن أحدا أقوى على هذا الأمر مني، لكان أن أقدم فتضرب عنقي، أحب إلي من أن أليه.»
ثم حضرته الوفاة فلم يعهد في بادئ الأمر لأحد، ونقل إليه حديث الناس إذ يقولون: «إنه غير مستخلف، ولو كان له راعي إبل أو راعي غنم ثم ترك رعيته كان قد فرط في أمانته، فماذا يقول لله عز وجل إذا لقيه ولم يستخلف على عباده؟» فأصابته كآبة ثم نكس رأسه طويلا، ثم رفعها وقال: «إن الله تعالى حافظ الدين، وأي ذلك أفعل فقد سن لي، إن لم أستخلف فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لم يستخلف وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر.»
Bilinmeyen sayfa