Nurların İkisi Osman bin Affan

Abbas Mahmud El-Akkad d. 1383 AH
57

Nurların İkisi Osman bin Affan

ذو النورين عثمان بن عفان

Türler

ولكنه لما رأى الخدم وقوفا لا يأكلون مع سادتهم في مكة؛ غضب وقال لسادتهم مؤنبا: ما لقوم يستأثرون على خدامهم؟ ثم دعا بالخدام فأكلوا مع السادة في جفان واحدة.

فالمساواة في أدب النفس لم تكن عند عمر مما ينفي التفاضل بالدرجات، ولم يكن يرضيه كذلك أن يعتمد الفقراء على الصدقات والعطايا ويعرضوا عن العمل واتخاذ المهنة؛ فكان يقول لهم في خطبه: «يا معشر الفقراء ارفعوا رءوسكم! فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالا على المسلمين.» وكان يوصى الفقراء والأغنياء معا أن يتعلموا المهنة، فإنه يوشك أن يحتاج أحدهم إلى مهنة وإن كان من الأغنياء؛ فيسوغ لنا أن نفهم من هذا جميعه معنى ما انتواه من أخذ فضول الغنى وتقسيمها في وجوه البر والصلاح ... على أن عمر يصح أن يسمى مؤسسا لديوان الوقف الخيري على الوجه الذي نعهده الآن؛ فقد أنشأ بيت الدقيق لإغاثة الفقراء الذين لا يجدون الطعام، وأصاب قبل خلافته أرضا بخيبر فاستشار النبي

صلى الله عليه وسلم

فيها، فاستحسن له أن يحبس أصلها ويتصدق بريعها، فجعلها عمر لا تباع ولا توهب ولا تورث، وينفق منها على الفقراء والغزاة وغيرهم، ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف ويطعم صديقا فقيرا منها.

وكان عمر يستقصي عادات المسلمين في معيشتهم حيث تفرقوا من بقاع الدولة الإسلامية، فسأل من عنده من أجلاء الصحابة: أن الناس قد دنوا من الريف فما ترون في حد الخمر؟ وكان ممن سألهم عبد الرحمن بن عوف، فقال: نرى أن نجعله كأخف الحدود؛ فجلد فيه ثمانين. •••

ثم انتهت خلافة عمر والمجتمع الإسلامي مجتمعان: أحدهما ماض ولما يمض بأجمعه، والآخر مقبل ولما يقبل بأجمعه، وأوشك عمر على قوته أن يحار في تدبيره، وقال الشعبي كما تقدم: إنه قضى وقد أوشكت قريش أن تمله لشدته ووقوفه لها بحيث وقف حائلا بينها وبين نزعاتها ومطامحها في دنياها الجديدة، بين ماض ينصرم، وحاضر يتقلب ويكاد أن ينهزم، ولكن الثقة به لم تضعف مع طوالع المجتمع الجديد؛ بل زادته هذه الطوالع المتقلبة تمكينا على تمكين، وجعلت من يخالفه يخجل من مخالفته، لمكان تلك الثقة القوية ولاستطاعة النفوس أن تغلب محن الحوادث ولا تستسلم لغوايتها. ولعلنا لا نجد لهذه المغالبة مثلا يبرزها كما يبرزها مثل عبد الرحمن بن عوف الذي بلغ غاية النجاح في المجتمع الجديد، وكان قطبا من أعظم الأقطاب في مجتمع الدعوة والخلافة الأولى، فإنه شهد بدرا والمشاهد كلها، وكتبت له حصة وافية من أنفال الغزوات وغنائمها، وفاضت ثروته من التجارة والزراعة حتى فرقها بعد مرة، وعاش إلى أيام عثمان وكان صاحب القول الفصل في اختياره للخلافة؛ لأنه ارتضى أن يخلع نفسه منها ليكون له الرأي فيمن يختار من المرشحين لها، فهو بحق مثل نادر للمغالبة النفسية بين ما استقبل واستدبر من حياته على عهد النبي صلوات الله عليه وعهد عمر وعهد عثمان، وقد كان - كما أخرجه البخاري - يقول كلما رأى وفرة المال عنده: «خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا.» وكان يصوم ثم يؤتى له بالطعام فيقول: «قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا.»

فهذه المغالبة لمحنة المجتمع الجديد، وتلك الثقة بالفاروق، وتلك القوة فيه، قد حفظت زمام الدولة في قبضة وليها، ولم تذهب بالمخالفة له إلى مدى أبعد مما سماه الشعبي بالملل وأحسن في وصفه، فلو لم تكن هناك ثقة مكينة لجاوز الأمر الملل إلى السخط والتمرد، وألفي هنالك من يتمرد ليمضي مع الماضي ومن يتمرد ليقبل مع المستقبل، ولكنها حالة لم تدم طويلا بعد خلافة الفاروق؛ إذ كان في الناس من يغضب باطلا ولا يخجل من غضبه بالباطل، وكان منهم من يغضب حقا وليس هو على يقين أن ولاة الأمر أحق منه وأجدر بالفضل والطاعة، وكان منهم من يحار بين الفريقين ولا يدري كيف يهتدي في حيرته إلى الصواب.

الفصل التاسع

المبايعة

إذا لخصت سنة الصديق أو سنة الفاروق في تولية العهد بعدهما، كانت خلاصتها أنها إبراء للذمة أمام الله؛ درءا للخلاف وحرصا على الوحدة الإسلامية.

Bilinmeyen sayfa