أعطى ولي العهد قوة دفع جديدة لعمليتين أخريين مترابطتين؛ هداية عبد المجيد الذي قاطع الخمر (وأفرغ نصف زجاجة كان يحتفظ بها للمناسبات في المرحاض)، وانتظم في الصلاة، كما انتظم في شراء مؤلفات الشيخ الشعراوي، وفي عدم قراءتها. وعلاقة ذات بجارتها التي لازمتها ملازمة يومية في الأسابيع الصعبة التالية للولادة، استحدثت خلالها برامج بث جديدة لها طابع تنويري: «حنبيع إيديال ونشتري واحدة مستوردة لها بابين وديب فريزر»، «لما كنا جالسين وأنا صغيرة على الأرض حول الطبلية نتغدى»، «لا أجد أية متعة في العملية إياها واقترحت عليه أن يتزوج بأخرى».
لم يفعلها الشنقيطي لأنه لم يكن يملك الوقت الكافي للتفكير في مثل هذه المشروعات؛ بسبب انشغاله بمشروعات من نوع آخر مرتبطة بتجميل حي مصر الجديدة، أول ما يقابل السائح. فبالإضافة إلى تصاريح الهدم (للفيلات والعمارات القديمة المتينة التي لن تنهدم من تلقاء نفسها) والبناء (لناطحات السحاب الزجاجية التي تنهدم من غير تصريح)، خلق الكوبري، الذي أقيم فوق ميدان الجلاء لتسهيل المرور في طريق صلاح سالم السريع، مشاكل جمالية معقدة؛ فبعد الانتهاء من بنائه تبين أنه يعترض طريق أحد خطوط المترو الفرعية، فنقل الخط وجمل مكانه؛ الأمر الذي أخل بالتوازن الجمالي بين مدخل الكوبري ومخرجه، وحلت هذه المشكلة بوضع نموذج مجسم لرمسيس الثاني عند مخرج الكوبري، أحدث خللا جديدا في التوازن، تعددت في شأنه الاقتراحات، ومنها إقامة نموذج مجسم من ساعة سيتيزين، أو تمثال للرئيس الأمريكي عند مدخله؛ وبذلك أتيحت الفرصة لخبراء التخطيط والتجميل كي يدلوا بدلائهم، وللشنقيطي كي يستبدل سيارته المتهالكة بواحدة 131 أحدث عمرا، ولمقاطعي ذات أن ينهوا هدنتهم.
على وجه التحديد، استؤنفت المقاطعة في أعقاب زيارة من ذات وعبد المجيد لابن عمته، في شقة أمه المتواضعة بأحد أزقة السيدة، بمناسبة عودته من التدريس في السعودية. استقبلهما في جلابية سعودية ناصعة البياض، ورصانة واعتداد جديدين عليه، جدة الشارب الكث، والجسم المنتفخ، والخلفية المؤلفة من ورق حائط ملون، وطاقمين؛ واحد مذهب للصالون، والثاني بايركس للشاي.
سعى ابن العمة منذ البداية للانفراد بالبث مغريا ضيفه بسجائر داكنة اللون، أطول من المعتاد، وصندوق من الشكولاتة والبونبون؛ الطعام متوفر (هناك)، كل شيء موجود، والسكن فيلا، والمواصلات سيارة خاصة، طولها عدة أمتار، يطوف بها بعد الظهر كل يوم على زملائه من المصريين ويعود بهم إلى شقته ليلعبوا الورق؛ فليس هناك بديل آخر.
وجدت العمة فرصة للإدلاء بعدة دلاء: «لم يكد يصل من المطار حتى أخرج الكوتشينة وطلب مني أن ألاعبه»، «الله يخليه. أهداني حجة تكلفت ألفي جنيه، فرأيت الكعبة وقبر النبي قبل أن أموت، ورأيت أيضا الطرق الواسعة والكباري الهائلة والنظام والنظافة»، و«تصوروا؟ رخام الحرم النبوي مثلج في عز الحر .. معجزة النبي
صلى الله عليه وسلم ».
لم يتقبل العقل العلمي لابن العمة هذا التفسير، فاعترض قائلا إن هناك أنابيب تبريد أسفل الرخام. وسارعت الأم بتقديم معجزة أخرى من أجل الاحتفاظ بالميكروفون: الحمام الطائر فوق الحرم النبوي كله أبيض اللون ولا يتبرز مطلقا. ورد عليها ابنها بمعجزة من نوع آخر: المصريون هم الوحيدون من العرب الذين يتمتعون بمحبة السعوديين.
ذات التي لا تتميز بسرعة التفكير، كانت ما تزال تفكر في أمر المعجزتين الأوليين، لكن هذا لم يمنعها من التوصل إلى تفسير للمعجزة الجديدة: «بسبب خفة دمهم.» نفاه ابن العمة على الفور وهو يتناول فرشاة ناعمة ويمر بها في رقة شديدة على سطح ريكوردر كبير الحجم، ستريو: «أبدا؛ لأنهم لا يتدخلوا في السياسة ولا يهتموا بحاجة ثانية غير تكوين نفسهم.»
نال الجهاز إعجاب عبد المجيد (وخاصة عندما وضع فيه ابن العمة شريطا أمريكيا من نوع الهشك بشك، فأضاءت في واجهته شاشة خاصة تحركت عليها أضواء حمراء تبعا لتغير طبقة الصوت)، وشغلت هذه المعجزة تفكيره حتى إنه فوجئ عندما قالت له ذات (التي لم تنقطع عن التفكير في معجزة الحمام)، وهما في الطريق يبحثان عن تاكسي يعود بهما إلى مصر الجديدة: «مفيش غير تفسير واحد؛ يكون الحمام عنده إمساك.»
رماها عبد المجيد بإحدى نظراته النارية، ألجمتها دون أن تدرك نوع الخطأ الذي ارتكبته، ولم يمنعها هذا من ارتكاب خطأ جديد عندما توقفت السيارة الخاصة التي تتقدمهما فوق كوبري 6 أكتوبر، وهبطت منها سيدة محجبة عبرت الطريق بسرعة دون أن تعبأ بالسيارات المندفعة وهي تشوح بيديها في انفعال وهياج شديدين؛ فقد تساءلت عما يدفع سيدة محترمة، كما يبدو، لديها أسرة وأطفال وسيارة خاصة، لمثل هذا السلوك، في منتصف الليل؟ وعندما بلغ التاكسي ميدان روكسي كانت قد توصلت إلى تفسير ذكرته في تهور لزوجها: «لازم عاوزة موكيت.»
Bilinmeyen sayfa