Osmanlı Devleti: Anayasa Öncesi ve Sonrası
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Türler
وما كل هذا العنف وذلك الضغط إلا ليغشوا على أبصار الشبان، فينشئوهم آلة صماء بين أيديهم، ويحجبوا عن أبصارهم ساطع النور، فلا ينظروا إلى مساوئهم، أفجهلوا أن النور إذا انبثق خرق الظلمات ونفذ إلى ما وراء حجب الغياهب! وأن شدة العنف تجرح حتى الجبان! فما عسى أن يكون فعلها بتلك الفتية الباسلة، وهل فاتهم أن دعاة الثورات والإصلاح في أوروبا كان معظمهم ممن عني في تربيته على خلاف ما نشأ عليه.
بقي لنا كلمة في المدارس الوطنية والمدارس الأجنبية، أما الأولى، ونعني بها: تلك التي شادها أهل البلاد، فهي قليلة لم يكن يرجى منها النفع المقصود مع شدة اعتناء أصحابها بها؛ لأن أكثرها تحت أحكام هذه المراقبة الجائرة. وأما المدارس الأجنبية فهي التي كانت متمتعة بحرية حرمت على ما سواها، ولقد تهافت عليها الطلاب من كل الملل والنحل تهافت الظمآن على الماء الزلال، وبثت نور العرفان بين جمهور عظيم من فتياننا، ولكنا مع اعترافنا بجزيل ما ثقفت وأفادت لا يسعنا إلا القول جهارا: إن فيها ثلمة متسعة لا يمكن سدها إلا بتغيير الأحكام، فمن من أرباب تلك المدارس - على فضله - يهتم ببث روح الوطنية بين تلامذته، بل من منهم وهم منتمون لأمم متناظرة لا يسعى جهد طاقته في استمالة تلامذته إلى أمته ودولته. وهكذا نشأ الطلاب على اختلاف في الأفكار والمذاهب. وهكذا عمل الأجانب بطريق العلم على اقتسام عقولنا كما عملوا بطريق السياسة على اقتسام بلادنا.
ومما زاد في البلوى أنه لم يكن يؤذن لخريجي المدارس المختلفة بإنشاء الأندية وعقد الاجتماعات لتبادل الآراء؛ خوفا من امتزاج المشارب والأخلاق.
على أننا مع شدة هلعنا لعبوس الزمن الماضي لا يسعنا إلا استقبال ابتسام الزمن المقبل بملء البشر والسرور؛ إذ توحد طرق التعليم في مدارس الحكومة، ويوسع المجال للمدارس الوطنية، ويباح تدريس علوم الفلسفة والاجتماع والآداب ويوجب تدريس التاريخ، ولا سيما تاريخ البلاد العثمانية وجغرافيتها، وتسهل الطرق لطلبة جميع المدارس من أميرية ووطنية وأجنبية لفتح الأندية وعقد الاجتماعات؛ ليشبوا جميعا على حب التكاتف متعاضدين على العمل يدا واحدة قياما بخدمة حقة لهذه الأمم التي أصبحت منذ 24 تموز أمة واحدة.
حرية التأليف والقراءة
حبذا لو أتيح لنا أن نذكر للزمن الماضي حسنة بما خص تأليف الكتب المفيدة، كما ذكرنا له حسنة من حسنات ترقي العلم، وإن أتت بالقسر عنه. ولقد يعجب المرء لهذا التناقض بين حالة هذين الألفين المتلازمين، ولكنه لدى إمعان النظر يتضح أنه لم يكن بد من حصول ذلك التباين، فإن العلم مطلب من مطالب كل نفس حية؛ فكان من المستحيل إيقاف تياره كما تقدم. وأما التأليف فهو من خصائص فئة قليلة من الناس، وهم ليسوا في الغالب من ذوي السعة واليسار. وأقل ما كان يشوه سمعتهم في آذان أرباب الاستبداد أنهم من ذوي الأفكار الحرة ليس في آذانهم وقر ولا غشاوة على أبصارهم، وما كان أحوج الظلام إلى كسر تلك الأقلام، ولم يكن في الوسع أن يفعلوا ذلك علنا خوف الفضيحة؛ فأسبلوا ستار الرياء، وهو شفاف.
لم يسنوا نظاما جديدا قاضيا بالتضييق على الكتابة والكتاب، بل لجئوا في هذه الحال كالتجائهم في سائر الأحوال إلى إصدار الإرادات السنية التي كانت تنهزم جنود القوانين من وجهها كانهزام الجيش المدحور أمام الفاتح المنصور. ولم يكتفوا بإنشاء شعب المعارف في الولايات - وما أحلى هذا الاسم وأمر الفعل - بل انتهى بهم الأمر أن باتوا لا يسمحون بنشر كتاب ما لم يعرض على مجلس التفتيش والمعاينة في نفس الأستانة.
ويجدر بنا قبل استتمام هذا البحث أن نقول كلمة في صفة هذا المجلس ومهمته، خليط من كل أصناف الناس رفيعهم ووضيعم عالمهم وجاهلهم، مرتع لبعض صنائع «المابين» ومنفى لأذكياء الشبان اتقاء لبادرة منهم، تدفع إليهم الرواتب وبعضهم في الأستانة والبعض الآخر في أطراف البلاد، وتختلف تلك الرواتب زيادة ونقصانا باختلاف منطوق الإرادة ونفوذ الواسطة. ولقد شاهدت مرة شيخا هما مقبلا إلى نظارة المعارف، يتضح لناظره ومحادثه أنه لا يعرف من المعارف إلا اسمها، عين، بإرادة سنية، عضوا لهذا المجلس براتب باهظ، ولم يكن لناظر المعارف ولا لسواه سابق خبر بتعيينه، فما وسعهم إلا إحلاله على الرحب والسعة، وبعد هنيهة خرج إلي صديق من ذلك المجلس، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله هذا صنيعة فلان.
ولم يكن هذا المجلس خلوا من الأعضاء الذين يرجى نفعهم في غير تلك الحظيرة، ولكن أقل تغاض منهم عن الأوامر المنهالة عليهم الواحد تلو الآخر يشهر على رءوسهم سيف النقمة.
ذلك هو المجلس الذي ألقيت إليه مقاليد المعارف في البلاد العثمانية، لا يباح بنشر كتاب أو تأليف ما لم يعرض عليه ويتصفحه، فيقرأه بعض أعضائه حرفا حرفا بأية لغة كانت فيزيدون وينقصون ويحرفون ويبدلون، وربما حذفوا منه صفحات وفصولا، بل ربما حذفوا كلمات وعبارات، فاختلت بحذفها لحمة الكتاب من أوله إلى آخره، وإذا أسعف الحظ وصدر الإذن بطبع الكتاب خرج إلى صاحبه وعلى كل صفحة منه ختم نظارة المعارف، والويل للمؤلف الذي يوشى عليه بتغيير حرف منه أثناء الطبع. والأدهى من ذلك أنك ربما انتظرت لصدور الرخصة زمنا أطول من الزمن الذي قضيته في التأليف. ومع هذا فلم يكونوا يجرون على قاعدة واحدة، بل كانوا يراعون أحوالا كثيرة تؤثر في حكمهم، ولهذا ربما تجاوزوا لك عن كل ما مر؛ فقد اتفق لي أن طلبت الرخصة بكتيب أشبه برسالة منه بكتاب فانتظرت سبعة أشهر وحذف منه وبدل، وأنا مقيم في الأستانة، ثم اتفق أن حصلت على الرخصة بيوم واحد لكتاب مطبوع يتجاوز عدد صفحاته الألف مائتي صفحة، وأنا مقيم في مصر، ولم يختم ولم يعترض على حرف واحد منه، وأنا على يقين أنه لم يقرأ منه غير عنوانه.
Bilinmeyen sayfa