Osmanlı Devleti: Anayasa Öncesi ve Sonrası
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Türler
وأما أعداؤها ومبغضوها ممن لا تستطيع أن تتناولهم يد جبروتها، فهم هم الذين كانوا بفضل كرمها الحاتمي في نعيم مقيم تنفحهم بالألوف الصفر المجبوة بالدرهم والفلس من الأرملة والعامل الكداح إلجاما لألسنتهم النمامة. وما كانوا بكافين عنها إلا حتى حين. ولقد أغدقت عليهم من النعم ما لو أحسنت ببعضه على بعض جرائدها في بلادها؛ لكان لها أشباه التيمس والتان.
ولقد طالما ذاعت عنها تلك المكرمة بين الناس حتى كادت تبيد مزايا جرائد الأحرار المطالبين بالدستور والباذلين في سبيله كل ما عز وهان لاختلاط الحابل بالنابل، وبات كل أفاق شريد يطمع في اتخاذ السباب والنميمة مهنة يستهطل بها غيثا من النضار ، ولو لم يقم مختار باشا في مصر وغيره في غيرها يصيحون ويصخبون سنين طوالا في وجه هذا السيل الجارف، لما خف اندفاعه حتى الآن، ولكانت ضاقت موارد الدولة عن إرضاء كل أفاك زنيم.
ولو بقي نصراء الاستبداد على منصات رفعتهم حتى الآن لقالوا بلا ريب مدافعين: إن البلاد لم تألف الحرية، فإطلاق أقلام الصحافيين فيها إثمه أكبر من نفعه. فقل لهم دفعا لهذه الفرية تلك نعمة عم انتشارها فتمتع بها أبناء قلب أفريقيا وأقاصي آسيا، فما بالكم حرمتموها علينا؟ ومع هذا فلسنا على بساطها بالمحدثين، ألفناها منذ ستة وثلاثين عاما ورتعنا في أكناف رياضها، وما من رزية أشد على المرء من سلبه نعمة نال منها لو طرفا يسيرا، أليس منكم من قرأ جرائد الأستانة وسوريا ك «الوقت» و«عبرت» و«الجوائب» و«الجنة» و«الجنان»، فرأى فيها ما أنفذته من سهام للنقد على أولياء الأمر أيام صدارة محمود نديم.
ومن من السوريين أبناء ذلك الزمان لا يذكر ما صوبته «الجنة» من نبال التقريع، وما ألمت به أفئدة الوزراء من كشف النقاب عن بعض أعمالهم، مما لو كتب منها سطرا واحدا في أيامكم لكان أقل جزاء لكاتبه السجن المؤبد. فعلام كان سلفاؤكم يرحبون بتلك الكتابة؟ بل علام كان بعضهم يحرض الجرائد على الانتباه إلى نقد أعمال العمال؟ وكل كهولنا يذكرون أيام تولى مدحت ولاية سوريا، وما كان من عزله متصرفا لتهمة وجهتها إليه «الجنة»، فكتب إليه: «إما العزل وإما قيامك للوقوف أمام المحكمة مع صاحب الجريدة.» ولما لم يقو على تبرئة نفسه اضطر إلى الاستقالة، بل ما بالكم ترتعدون جزعا لذكر «الثورة» و«القتل» و«الخلع» و«الدستور»، وتأمرون أن نشوه وجه الحقائق فتنقل إلينا الأخبار كاذبة، فإذا قتل ملك إيطاليا أمرتم الصحف أن تقول «توفي فجأة»، وإذا طعن كارنو رئيس جمهورية فرنسا على قارعة الطريق، قالت بأمر منكم: «مات بالنزلة الصدرية»! فماذا يقول التاريخ بهذه الألاعيب الصبيانية؟ وأي جريدة من جرائد السلطنة أيام خلع المغفور لهما السلطان عبد العزيز والسلطان مراد لم تصدر أياما، بل شهورا متوالية حافلة بتفصيل أخبار ذلك الانقلاب وما وليه من هجوم حسن الجركسي على الوزراء وقتله الصدر وناظري البحرية والخارجية؟ وإن أكبرتم نقل مثل هذه الأخبار، فما بالكم تحظرون علينا ذكر جهاد الروسيين والإيرانيين في سبيل الحرية ونيل الدستور؟!
أفلا ترون بدليل ما تقدم أن الأمة لا تطالب بنعمة تسبغونها عليها من فضلكم، وإنما هو حق سلبتموه بعد أن كانت متمتعة به بفضل أسلافكم؟ أولا ترون أيضا أن بقاء صحافتنا حية مع شدة هذا الضغط يبشرها بعمر جديد وشأن في المستقبل مجيد؟
وإننا بلا ريب لا نطمع ولا نود أن نتخطى الآن إلى ما وراء المعقول، فنثب وثبة واحدة من وهدة المسكنة الاضطرارية إلى قمة التهور الاختياري، بل جل ما نتمناه أن تباح لنا رواية الأخبار وترديد صدى الأفكار والنظر في شئون أنفسنا من إلقاء درس مفيد وعرض مقترح جديد ونقد عامل وعمل والبحث في كل ما من شأنه أن يلذ ويهذب ويفيد. وعلى الجملة إطلاق الحرية إلى ما لا يفضي بها إلى مثل الفوضى التي استحكمت بين بعض جرائد مصر لسنين مضت، وهو لا شك ما ينظر إليه دعاة الدستور من الآن بعين الروية والتدبير.
حرية التعليم
لئن أطلنا الشكوى من تأخر الصحافة في العهد الماضي، فإذا ذكر العلم والتعليم فلا يسعنا إلا أن نقول الحق فنعترف أنهما رقيا فوق ما كانا عليه درجات، وأن معظم العثمانيين أصبحوا ولهم نصيب من العلم. ولقد أربى عدد القارئين الكاتبين على عدد الأميين في كثير من الولايات، ولكن المراقب الخبير يعلم أن هذا الترقي هو دون ما كان يجب أن يكون؛ لأن تيار العلم سيل جارف يبدد كل ما اعترض سبيله من عقبات الجهل والخمول، ولقد أحاط بنا هذا السيل من كل جوانبنا فما كان في الوسع حده مهما بذل من الجهد، فكيف ومعظمنا مستبشر لوفوده ولو تسهلت له السبل على ما يرام لكفته ثلاثون سنة لإزاحة كل نبت خبيث وجلمود معترض في طريقه ، وجعل البلاد قاصيها ودانيها رياضا للمعارف، نضرة يانعة الفروع دانية القطوف، ولكن الخطة التي جرت عليها الحكومة الغابرة حولت بعض حسناته إلى سيئات وبعض منافعه إلى مضار.
أرادت أن تتخذ للتعليم في البلاد خطة واحدة، ويا حبذا الفكرة لو حسن القصد واستقام الأسلوب، وهي فكرة قديمة يرجع أصلها إلى أيام السلطان سليم، فلم يتسن له إنفاذها، بل كانت من أسباب قيام جهلة الإنكشارية عليه، فتلقاها السلطان محمود، ولم تزل تتراوح في رءوس ذوي الشأن حتى أنشئت المكاتب الإعدادية والرشدية في الولايات وبعض المدارس العالية في الأستانة في زمن السلطان عبد العزيز، وزاد عليها جلالة السلطان الحالي مدارس أخرى. ولكن طرق التعليم اختلت بشدة المراقبة، فأبعد منها كثير من المطالب المفيدة إبعاد المنفيين إلى فزان، حتى لقد حرم على الطلبة درس المهم في التاريخ ولو كان تاريخ بلادهم، وشوهت جغرافية البلاد العثمانية وخرائطها فحذف وبدل منها من الأسماء ما طالما افتخر سلاطين آل عثمان بدخوله في حيازتهم. وحظر تعليم - بل قراءة - العلوم الفلسفية والاجتماعية، ومنع الأساتذة من إلقاء أي شرح مفيد على الطلبة حتى حار المعلمون في أمرهم، وكانوا وهم يلقون حتى ولو مسألة نحوية أو حسابية صرفا يخشون أن توجس منهم إشارة إلى عدد يوافق أعداد سني الظلم أو فتحة أو كسرة تشيران إلى فتح الأعين وكسر القيود.
كل ذلك خشية من أن ينبثق نور العلم في أدمغة التلامذة، فيعلمون أنهم من بني الإنسان، وأن لأمتهم حقوقا تجب المطالبة بها، فإذا نال أولو الأمر هذه البغية بالنظر إلى صغار الطلبة، فما كان يا ترى ظنهم بطلاب مدارس الأستانة العالية كالمكتب الملكي والمكتب السلطاني والمدرسة الحربية والمكتب الطبي - وجميعهم من الشبان الأذكياء؟ أو ما عسى أن يقول طلاب مدرسة الحقوق - وعلم الحقوق من العلوم الفلسفية - إذا اضطر أساتذتهم كل يوم إلى تغيير خطة وتبديل نهج وإلغاء درس الشرائع الرومانية أو غير ذلك مما يزيد المنع عنه رغبة فيه؟ أو ماذا يقول طلبة المدارس الحربية إذا حظر عليهم أن يبحثوا في أنواع الحكومة، وتنصب لهم المكيدة فيجمع بعض نظارهم نجباء أولئك الشبان المتقدين نيرة وذكاء؛ فيسألهم عما يؤثرون من أنواع الحكومات فلا يقول بالحكومة الاستبدادية إلا أشدهم دهاء. وأما الباقون الذين يبوحون بما في ضمائرهم، فيقولون بالحكومة الدستورية، فيطردون ويساقون سوق الأنعام إلى حيث لا يعلم إلا الله. وأما ذلك الظالم الناشر تلك الأحبولة فيتخذها ذريعة للوشاية فتغدق عليه النعم ويصعد في سلم الترقي درجات متواليات بأسرع ما صعد إسرائيل على سلم جبرائيل.
Bilinmeyen sayfa