وأما المستخرج من الشرك ، فليس عليه فيه شيء ، فمهما وجب عليه امتثال شيء أو معرفته قضى على المضيع بالحرام ، لا يتجاوزه حتى تقوم عليه الحجة بخلافه ، أو يقطع عذره ، مثل الإيمان بالملائكة والكتب والرسل والنبيين والآخرة ، وإنما راعى في ذلك من لا يقول بشرك من جهل وأنكر سوى الله ، فليس عليه شيء حتى تقوم عليه الحجة ، وأسقط عن الناس معرفة النفاق ومعرفة كفر الناقضين لما في أيدينا ، ومعرفة أن ثم كبيرا غير الشرك ولا البراءة في شيء من هذا ، ولا تحريم شيء غير الشرك حتى تقوم عليه الحجة به ويعلم أنه معصية الله ، أو علم أن الله فرضه على العباد فيعلم إذا ضيعوه أن ذلك منهم حرام ، أو علم أن الله تعالى أوجب عليه أو على الناس معرفته فجهلوه ، أو حرام فارتكبوه ، والبراءة من الفعل وليس عليه البراءة من الفاعل ، فأبطل جميع ما كان معصية لله أن يعلمها أو أن يعلم تحريمها ، إلا إذا قامت عليه الحجة بشيء أنه معصية فيثبته حراما لا غير ، ولا يتجاوز به إلى الشرك ولا إلى الكفر ، ولا إلى الكبيرة ، ولا إلى الفسوق ، حتى تقوم عليه الحجة بذلك .
وأما قول القائل : ( لا يسع جهل الناقضين لما في أيدينا ) معناه أن تعلم أنه أتى حراما لا غير ، وبشرط أن يكون الناقض إنما نقض ما أوجبه الله علينا دينا ، وأما نقض ما وراء ذلك مما يسوغ فيه اختلاف العلماء فلا ، بشرط أن يعتقد أن هذا النقض دين الله عنده .
وأما إذا كان برأي ، فالرأي عجز .
وروي عن الشيخ أبي خزر - رضي الله عنه - : أنه كتب إليه الشيخ جنون بن يمريان أيام كان أبو خزر بمصر في مسائل لا يسع الناس جهلها ، فرد له أبو خزر كتابه ، وكتب إليه بالجملة التي كان يدعو إليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا غير .
ومن أصح ما روي عن أبي خزر - رضي الله عنه - أنه قال : بلغنا أن ما أسقط عن وهم الإنسان فلا يؤخذ به ، وهذه المسألة من فروع النسيان ، ويجانبها الخطأ .
Sayfa 18