وقد صدق القائل : قد يتكلم المجنون بما يعجز عنه العاقل . فهؤلاء مذبذبون بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، شرعوا الجهل دينا ورأوة دينا ، ومالوا عن الحق بونا ، وأصابوا حينا ومينا .
وأما مذهبهم في الكلام في الأمر والنهي والقرآن ، فهو الذي جر عليهم حبنهم ( 2 ) ، فأظهر الرب شينهم ، فأصبحوا مثل النصارى بينهم .
وأما ذنبهم الذي أوردهم جميع المهالك وسيئاتهم التي أحاطت بهم من أجلها خطيئاتهم حين غلطوا في القرآن ، فنفوا عنه الخلق وأثبتوه معنى غير الله يوصف به الباري سبحانه ، وفعثروا عثرة لا إقالة لهم بعد العثور .
ثم من بعد العثور وقعوا في قولهم : إن الأمر والنهي معنيان يوصف بهما الباري سبحانه ولم يزل بهما ، قائمين بذاته . فوقعوا وقعة لا انجبار لهم منها .
ثم من بعد الوقوع لغطوا في قولهم : إن سائر الكلام معنى يوصف به الباري سبحانه ، قائم بذاته فسقطوا سقطة تعسوا فيها اليدين والفم .
ثم من بعد السقوط انزلقوا في قولهم : إن سائر الصفات من العلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات ، أنها معان غير الله وهي متغايرة بينها البين . فانزلقوا زلقة وصادفوا بئرا لا قعر لها ، تهوي بهم الريح في مكان سحيق . ثم من بعد الانزلاق التجأوا إلى جرف هار في قولهم بعد الصفات في الذات إنها مرئية
بالأبصار ، محدودة بالأقطار ، موصوفة بالوجه والعينين والرأس واليدين والساق والرجلين والقدم والركبتين والجنب والإصبع في سائر الصفات صفات البشر فانهار بهم في نار جهنم . فهو آخر العهد بهم.
وقد صدق الله - عز وجل - في قوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) هذا مثلهم في القرآن ولله المثل الأعلى .
ومثلهم في التوراة والإنجيل : عن اليهود تقول لهم : قبحا لكم وسحقا . والنصارى تقول : مرحبا وأهلا ، وأقذر بقوم تأففت منهم اليهود واستقذرتهم ، واستبدت بهم النصارى وأحبتهم .
Sayfa 54