وقد تزوج شكسبير بالفتاة «آن» حين تجاوز الثامنة عشرة وكانت أكبر منه بعدة سنين، إذ كانت يومئذ تبلغ السادسة والعشرين.
ولا يحدثنا التاريخ كيف كان قرانهما على هذا الفارق في العمر، ولا كيف كان عيشهما، ولكن الثابت أن حياتهما لم تكن هنية رغيدة، وقد رزقا بنتين وولدا.
حياته الأولى
ولئن رأيناه يقول عن آن ... إن لآن هاتاواي، وما أدراك من آن هاتاواي، سبيلا لفتنة القلوب، وسحرا يجتذب الأفئدة ... فقد عجزت عن كبح جماحه، أو قص جناحه، أو رده عن هواه، فقد مضى يلهو بين أهل قريته، ولم تقنعه صنوف اللهو المألوفة في محيطه، فانطلق يختلط بقرناء السوء، وشرار الصحب، ويغير على أماكن الصيد التي يملكها أهل اليسار والسلطان، فيسرق الغزلان، ويصطاد الأرانب، حتى اضطر في النهاية إلى مغادرة القرية، وهجرة الأهل والنزوح عن البيئة التي نشأ فيها عدة سنين.
وقد اعتدى على حدائق السير «توماس لوسي» في شارلكوت أكثر من مرة في تلك الأيام، وكانت العقوبة يومئذ لا تقل عن الحبس ثلاثة أشهر، ودفع غرامة تقدر بثلاثة أمثال قيمة التلف الذي أحدثه، فلم يلبث أن اشتد حقده على ذلك الوجيه فراح يثأر منه بأبيات من الشعر علقها على أبواب حدائقه، وهي فعلة أثارت عليه غضب ذلك الكبير، وطالب بمزيد من العقاب، فلم يسع شكسبير سوى الفرار إلى لندن في عام 1585 للبحث عن عمل يسد منه أرماقه.
حياته في لندن
وتختلف الروايات بسبيل محاولاته الأولى عند قدومه إلى لندن، ولكن الثابت أنه لم يلبث بعدئذ أن اتجه إلى مهنة الممثل، ويقال إنه بدأ يؤلف روايات تمثيلية، أو يقتبس أخرى من الكتاب، ويعيد صياغتها، ويحور في ألفاظها وعباراتها، ثم يعرضها على الفرق التمثيلية، فتشتريها، وتنتقل ملكيتها من يده. وكان من عادة مديري هذه الفرق إحالة الروايات على المراجعين قبل عرضها على المسرح، وهذا ما حدث لروايته الأولى «جهد حب ضائع» التي يغلب على الظن أنه وضعها في عام 1591، فقد روجعت عام 1597 ونشرت في العام التالي باسمه. وكانت هذه هي أول مرة يبدو فيها اسمه منشورا على صدر كتاب من قلمه وتأليفه. والظاهر أن حوادثها لم تقتبس - كأكثر مسرحياته - من قصة قديمة أو كتاب سابق كما يبدو في روايته «روميو وچولييت» (1591-1593) وهي مأساته الأولى، فقد توالى اقتباس قصتها عدة مرات منذ وضعت في القرن الثاني قصة «أنتيا وابروكوماس» في اللغة الإغريقية، وكانت معروفة في طول أوربا وعرضها، وتكرر ظهورها نثرا وشعرا عدة أجيال.
أما قصة تاجر البندقية (1594) فقد رجع فيها إلى عدة مصادر، من بينها مجموعة قصص إيطالية كتبت في القرن الرابع عشر، ومن المرجح أن تكون أكثر مسرحياته قد استغرقت زهاء عشرين عاما من عمره، أو بين السابعة والعشرين والسابعة والأربعين؛ أي بمعدل روايتين في العام.
أهل السلطان الذين رعوه
وكان له بين الأشراف راع يدعى «الأرل أوف سلوتامينون»، وقد وجه إليه كثيرا من أغانيه، وإن لم يذكر اسمه صريحا، كما أبدت الملكة «إليزابث» نحوه شيئا من العطف في عام 1594 وطلب عقب تتويج الملك جيمس الأول للتمثيل في حضرته، وكان تمثيل رواية «العاصفة» ولعلها آخر ثمار عبقريته بمناسبة قران الأميرة إليزابث بالأمير فردريك عام 1613.
Bilinmeyen sayfa