ترجمة
عباس حافظ
كلمة الناقل
أسلوب شكسبير في قصصه الماجنة
لم يكن شكسبير حين كلفت نقل قصة منه غريبا عني، فقد قرأته على عهد الشباب، كما يقرأ الشاب الكتاب خطفا، ويستعجل خاتمته شوقا ولهفا. وعدت أقرؤه في المشيب، بتدقيق وترو؛ وأمضي في قراءته على مكث؛ لأن نظرة الشيخ عن لمحة الشباب مختلفة. فلا عجب إذا وقعت اليوم فيه على معان لم أقع من قبل عليها. ورأيته يتجدد في خاطري، أبلغ مما بدا، والنظرة عجلى، والحماسة له مسرعة، والإعجاب به لا ينتظر كل العلم، ولا يقف حتى تتم المعرفة.
وكنت قد أدركت في الشباب أن قصصه المحزنة ملأى بمواقف للحكمة، ومواطن للفلسفة، ومشاهد لقوة الكلمة، وسلطان البيان. وأن الماجنة منها مفعمة مزاحا، مترعة طرائف وألاعيب وأفراحا. فهي دون الأولى براعة وأقل منها حذقا. فلما تناولت إحداها لنقلها، وجدت القوة في النوعين مؤتلفة، وتبين لي أن نقل مأساة أيسر لمن أوتي روعة العبارة، وسعة اللفظ وقوة التصوير؛ لما في القصة الماجنة من ضروب هزل تختلف كثيرا عن مثلها في العربية، وأساليب دعابة، وألوان بديع تأبى على الناقل.
رأيت هذه القصة مليئة جناسا من كل نوع، حتى في اختلاف النطق، وتباين التهجية، وأصعب شيء أن تنقل جناسا في الإنجليزية إلى مثله في العربية، وتحتفظ بالتماثل المراد فيهما، والتشابه اللفظي بينهما، فلا معدى لك من محاولة التقريب - وإن شق عليك - من شرح العبارة للقارئين.
ورأيتها كذلك قد ازدحمت بفنون من «التورية»، وهي لا تكاد تنقل إلى العربية لاستحالة التماثل فيها بين اللغتين. كما كثر فيها التلميح لأمثال قديمة أو أساطير غابرة، أو عبارات مقتبسة من كتب، أو أبطال خرافيين.
وقد عانيت كثيرا في ذلك كله، وعنيت بالهوامش والشروح قدر عنايتي بالمتون، ولم يسعفني الشراح في بعض الأحيان؛ لأن عبارات بأعيانها أعجزتهم، أو استغلق المعنى الحقيقي فيها عليهم. فاجتهدت في حل ألغازها مع المجتهدين.
وتكاد هذه القصة تدنو من «المأساة» أو القصة المحزنة؛ لأنها قائمة على «اتهام» بريئة، وفضيحة عروس وهي أمام المحراب توشك على زفاف. وليس عجيبا أن يختلط فيها العنصر الجدي بالعناصر الفكهة؛ لأن ذلك هو ما فعله المؤلف في أكثر من قصة هازلة، ونحن أبدا من شكسبير في عجب عاجب، فهو لا يضع رواياته مصنفة التصنيف الذي عرفناه، بين مسلاة، وملهاة، ودراما، أو ميلودراما عند المؤلفين الذين سبقوه؛ كميناندر وبلوتاس أو الذين جاءوا من بعده مثل كالديرون أو موليير، أو كونجريف أو شريدان، بل نحسب كل ملهاة أدنى ما تكون إلى الحزن أو ألم القلب، أو أحيانا إلى القلب الكسير، فهو كذلك في قصته «كوميديا الأخطاء»، وهو أيضا على هذا النحو في «جهد حب ضائع»، و«الليلة الثانية عشرة».
Bilinmeyen sayfa