من جمال ابن آدم وكماله الإنساني البيان ، جمال يأخذ القلوب ويلج الأسماع بدون أذن ، ويستهوي النفوس ويخلب الألباب ، لولم يكن للبيان مدح إلا قوله - صلى الله عليه وسلم - :( إن من البيان لسحرا )(2) لكفاه شرفا وثناء خالدا ، فكيف وقد مدحه الله تعالى في محكم كتابه الذي هو ينبوع البيان ، ومنهل العرفان ، فقال سبحانه : { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان }
( الرحمن / 4،1)علم البيان هو علم البلاغة _ وهو أجل العلوم الأدبية قدرا ومكانا ، وأعلاها منزلة وأكبر شأنا ،لأنه علم يستولي على استخراج أسرار البلاغة من معادنها وهذه توجد محاسن النكت المودعة في أصدافها ومكامنها ، وهو الغاية التي ينتهي إليها فكر النظار والضالة التي يطلبها غاصة البحار ، وعلبه التعويل في الاطلاع على حقائق الإعجاز في القرآن وإليه الاستناد عند المسابقة في الخصل(3) والرهان ومنه تستشار المعاني الدقيقة على ممر الدهور وتخرم الأزمان .
هو أبو عذرتها وإنسان مقلتها وشعلة مصباحها ، وياقوتة وشامها ، ولولاه لم تر لسانا يحوك الوشي من حلل الكلام وينفث السحر والزهر مفتر الأكمام ، كيف لا
وهو المستولي على أسرار الإعجاز وحقائق المجاز، وكيف لا وبه يدرك المستقيم من المعوج من التأويل .هو من العلوم الأدبية بمنزلة الإنسان من سواد الأحداق وقد بلغ الذروة العليا من البلاغة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فأعجز البشر ووقف دونه فطاحل الفصحاء والبلإاء ، منهم من خروا له خاضعين فنكسوا أمامه ألويتهم مندهشين ، فما استطاعوا أن يبدوا أقل آية فكيف بسورة من مثله وقد أنزله الله تعالى على (سيد العالمين ) - صلى الله عليه وسلم - وآله
(1) الجهل وضعف الرأي . (2) الجامع الصحيح للإمام الربيع بن حبيب (رحمه الله) من أئمة القرن الثاني .
(4) الخصل والرهان عطف مراد .
Sayfa 77