أولا يرى إلى قوله سبحانه : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } ( النور / 55) كيف استنهض المسلمين إلى العز والسلطان بأن وعدهم بالاستخلاف في الأرض وتمكينهم من الإسلام الذي اختاره لهم دينا وإلا من بعد الخوف ، كل ذلك متى جمعوا بين التصديق به والعمل الصالح ثم أمر بالخضوع لجلاله وعظمته والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه ثم ختم الآية بقوله ( ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) فأفادتنا الآية أننا متى تركنا الواجب صار أمننا خوفا وزال سلطاننا وأصبحنا محكومين لا حاكمين وهذا هو المشاهد الآن ( أعاد الله للإسلام عزه وعظمته ورفع لواء دينه على كل الألوية ) وأكبر دليل على أن القرآن جامع لعلوم الأولين والآخرين قوله سبحانه : { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } ( النحل /89) و { وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } ( الأنعام / 38)
ولا يصح قصر الآيتين على ما يخص العبادات والمعاملات ، ولا دليل يصح قصر الآيتين على ذلك إذ لا تخصيص لعمومهما ، وما ظهر من هجمات الملحدين وطعن الأجانب في الدين الإسلامي ووصفهم له بأنه دين الجمود فمن أسبابه ما يكتبه الجامدون والأعراض منهم عن سنن الله في الكون ، وهم يحسبون أنهم يرفعون مناره بينما هم يقوضون بنيانه فكانوا أكبر مساعد لأولئك الأخصام الذين ما ذاقوا المجد وعرفوا نعيم الحرية إلا بما نشره القرآن وأفاضه الإسلام بين الورى من أنواع السعادة وبينته السنة الغراء من المحاسن ومكارم الأخلاق ، ولم تزل تتفيأ ظلال الإسلام على العالم ولو أنكرها الجاحدون .
Sayfa 71