ولا غرابة أن نقول أن القرآن من أكبر الآيات وأعظم المعجزات وأسطع البراهين على توحيد الله تعالى وكمال قدرته إذ جميع ما في الكون وما بلغت إليه أفهام البشر من الاختراعات مذكور في الكتاب العزيز تصريحا أو تلويحا . تأمل قوله سبحانه وتعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون } ( النحل / 8) ترى من الإبداع والإعجاز المرتبة القصوى ، فإنه سبحانه ألفت نظرنا تذكيرا إلى آلائه الوافرة علينا في عالم الشهادة من تسخير الحيوانات لنا وانقيادها ذلولة نتخذها مطايا وزينة ثم ألفتنا ثانيا إلى عالم الغيب بأنه يخلق أشياء لم يحط بها علمنا قبل حدوثها بصيغة الاستقبال المفيدة للتجدد والاستمرار صالحة للركوب والزينة وغيرها من العجائب التي لاتنقطع .
اللهم عز شأن الإنسان ما لم يعلم فابتكر المراكب البديعة المائية والجوية والبرية التي أصبحت تطوي الأرض وتقطع في جزء من الزمن يسير الأبعاد الشاسعة وتصل كل منتأى ، وابتكر المخبرة السلكية واللاسلكية والمسرة يستكشف بها مرامه في كل صوب ، وإنا نرى كل حين من غرائب صنع الله تعالى الذي أتقن كل شيء مما ألهمه الذين خصهم بقوة الفكر واستخدام المواهب العقلية ما يبهر الألباب . وأولئك الذين تعتمت أفكارهم بطحلب الجمود أو قصرت مداركهم وتعطلت دون الوصول مواهبهم بعدم استعمالها عن آيات الله غافلون .
في رسالة حكم عيسى عليه السلام آخر الزمان(1) قال - صلى الله عليه وسلم - ( ما من شيء فهو في القران أو فيه أصله قرب أو بعد ، فهمه من فهمه وعمه عنه من عمه ) .
وفيها قال بعضهم : ما من شيء إلا ويمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله ،
(1) رسالة جليلة للسيوطي خطية في دار الكتب المصرية .
حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا وستين سنة من قوله سبحانه في سورة المنافقين : { ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون } ( المنافقون /11)
فإنها رأس ثلاث وستين سورة وأعقبها بالتغابن .
Sayfa 68