ومن اتفق له في الصبا أن يربى على أدب الشريعة ويؤخذ بوظائفها وشرائطها حتى يتعودها ثم ينظر بعد ذلك في كتب الأخلاق حتى يتأكد تلك الآداب والمحاسن في نفسه بالبراهين ثم ينظر في الحساب والهندسة حتى يتعود صدق القول وصحة البرهان فلا يسكن إلا إليها ثم يتدرج حتى يبلغ إلى أقصى مرتبة الإنسان فهو السعيد الكامل
وعلم تهذيب النفوس ضروري للحياة الفردية وللحياة العائلية والحياة الاجتماعية ، وهو لحفظ الفطرة في النفوس حتى لاتنطبع بالخبائث والرذائل فتصبح من المفسدين .
فالقلوب التي هي محل نظر الله جل جلاله إذا كانت في نفوس متعهدة بالتهذيب كانت ينبوع الخيور وإذا لم تتعهد بالتهذيب كانت مثار الشرور .
قال - صلى الله عليه وسلم - ( إن في الجسد مظغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب ) وبمقدار تأثر النفس بالفضائل ورسوخ التهذيب فيها تكون مجاهدتها في سبيل الخير وعبادة الله تعالى واستطابة الحق ولو كان مرا ثقيلا ، قال عليه الصلاة والسلام ( اعبد ربك على الرضا واليقين وإلا ففي الصبر على ما تكره خير كثير )
وللتهذيب طرق متعددة ولم يزل علماء الأخلاق والنفس يستخدمون قواهم لابتكار أساليب التهذيب باعتناء عظيم إلا أن الطريق المعمول به الآن في بعض مدارس تونس هي بسيطة ولكنها لابأس بها ، وهي ترويض أذهان التلاميذ بما ذكرنا من الفنون ، ثم بحفظ شعر الحماسة والأخلاق الطاهرة والمحاسن والحكمة والفضائل وقطع نثرية من ذلك القبيل ، بعدة آيات وأحاديث وشرح ذلك كله لهم وما يناسبه من الأمثال ، أما ما يخل بالأدب الإسلامي من المجون والسخف والتغزل فلا وجود له وحسنا فعل أربابها ، وما قيل من وجوده فاختلاق محض ومع وجود شيء من ذلك في دروس أولئك المختلقين وآدابهم ، أولئك الذين يطعنون فيما رأيته وتراه من العلوم ويتخلل دروسهم مثل قول الشاعر :
( قد أقبلت عزة من عراقها من عراقها )
Sayfa 59