والقطف عبارة عن إسقاط السبب الخفيف وإسكان المتحرك قبله، ولا يكون إلا في بحر واحد وهو الوافر الذي هو رابع البحور المرموز له بالدال من قوله «بد»، وقد علم أن «مفاعلتن» هو جزء الوافر، فإذا أردت قطفه حذفت السبب الخفيف من آخره وهو «تن»، واسكنت المتحرك الذي قبله وهو اللام التي هي ثاني سبب ثقيل فيصير «مفاعلْ» بإسكان اللام فيعبر عنه بفعولن. والضمير من قوله «به» راجع إلى حذف الخفّ. والمراد بالسكن التسكين، فهو مصدر محذوف الزوائد.
والباء من قوله «بد» ظرفية بمعنى «في» لا حرف مرموز به للبحر الثاني وهو المديد، لأنه ليس لنا في المديد جزءٌ آخره سببٌ خفيف وقبله متحرك حتى يدخله القطف، فالإلباس مأمون.
فإن قلت: ماذا أراد الناظم بقوله «والأثقل انتفى»؟ قلت: قال الشريف: يريد أن «مفاعلتن» في الوافر إذا دخله القطف فحذف السبب الخفيف وسكن اللام قبله بقى «مفاعلْ» وصار السبب الثقيل خفيفًا، فذلك الذي أراد الناظم. وبذلك يتبين أن القطف لا يكون إلا في الوافر.
قلت: أو يكون المراد بذلك الإشارة إلى نفي قول من زعم أن القطف عبارة عن حذف السبب الثقيل حرصًا على قلة التغيير ما أمكن، لأنه على هذا التقدير علةٌ واحدةٌ، وعلى الأول يكون مركبًا من علة وزحاف، وهما الحذف والعصب، وقلة التغيير أولى.
قال بعضهم: ولا قائل به: وهو وهم فاحش، لأن مخترع هذا العلم وهو الخليل هو القائل في القطف بالمقالة الأولى أفتراه يقول إنه مسبوق بالإجماع مع أن معنى القطف لغة هو المناسب لما ذهب إليه الخليل، وذلك لأن الثمرة إذا قطفت تعلق بها شيء من الشجرة، وعلى التقدير الأول فالجزء كذلك، لأنه لما حذف منه السبب الخفيف علقت به حركة السبب الآخر، ولا كذلك على التقدير الثاني، وأيضًا فإنه يلزم على التقدير الثاني دخول العلة في حشو الجزء، ولا نظير له فتأمل.
قال: وحسبك فيها القصر حذفك ساكنًا=وتسكين حرف قبله إذا حكى العصا أقول: يعني أن القصر عبارة عن حذف ساكن وإسكان حرف قبله بشرط أن يكون من سبب خفيف. وهذا القيد مذكور في البيت الثاني. وأشار إلى وجه التسمية بقوله «إذ حكى العصا» يريد أن ما دخله القصر يسمى مقصورًا لأن الجزء قصر عن التمام، كما قصر الاسم المقصور كالعصا والرحى عن المد، أي حكى الأسماء المقصورة. هكذا قرره الشريف.
قلت: ويمكن أن يكون إشارة إلى القولين في تسمية المقصور بهذا الاسم، وذلك لأن منهم من قال: سمي بذلك لكونه قصر عن الحركة أي منع منها. وقيل: سمي بذلك لكونه منع عن المد، فكذا الجزء المقصور يحتمل أن يكون سمي بذلك لأنه لما حذف آخره وأسكن ما قبله منع من الحركة، أو لأن الجزء قصر عن التمام كما قصر الاسم المقصور عن المد، والله أعلم.
ويدخل القصر في أربعة أبحر رمز لها بقوله «حسبك»، فالحاء رمز للبحر الثامن وهو الرمل. والسين رمز للبحر الخامس عشر وهو المتقارب. والباء رمز للبحر الثاني وهو المديد. والكاف رمز للبحر الحادي عشر وهو الخفيف. قال:
كذا القطع لكن ذاك في سبب جرى ... وفي وتد هذا وجهز له حوى
أقول: يريد أن القطع مماثلٌ للقصر في أنه حذف ساكن وتسكين حرف قبله، لكن ذاك وهو القصر مخصوصٌ بالسبب الخفيف، فيكون عبارة عن حذف السبب الخفيف وإسكان الحرف الذي قبله. وهذا، وهو القطع، مخصوصٌ بالوتد المجموع فيكون عبارة عن حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان الحرف الذي قبله. وأنشد ابن الخطيب في الإحاطة لبعض الأندلسيين:
يا كاملًا شوقي إليه وافرٌ ... وبسيط وجدي في هواه عزيز
عاملت أسبابي لديك بقطعها ... والقطع في الأسباب ليس يجوز
فأحسن في التورية. وأشار الناظم بقوله «جهز» إلى الأبحر التي يدخلها القطع، فالجيم رمز للبحر الثالث وهو البسيط. والهاء رمز للبحر الخامس وهو الكامل، والزاي رمز للبحر السابع وهو الرجز، وسمي قطعًا لأنه يقطع الجزء عن تمامه. قال:
وحذفك مجموعًا دعوا حذّ كاملٍ ... وإلا فصلمٌ والسريع به ارتدى
1 / 33