وفي تاريخ الدولتين (^١): استفتح صلاح الدين سنة سبع وستين وخمسمائة بإقامة الخطبة في الجمعة الأولى منها بمصر لبني العباس، وفي الجمعة الثانية خطب لهم بالقاهرة، وانقطع ذكر خلفاء مصر (^٢) منها.
وقال فيه أيضا (^٣): إن صلاح الدين لما تمكن في الديار المصرية، وضعف أمر العاضد، كتب إليه نور الدين؛ يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية. فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر، وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك؛ لميلهم إلى العلويين. فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزامًا لا فسحة فيه. واتفق أن العاضد مرض، واستشار صلاح الدين الأمراء، فاختلفوا فيه كما ذكرنا، وكان قد دخل في مصر إنسان أعجمي، يعرف بالأمير العالم.
قال ابن الأثير (^٤): وقد رأيناه بالموصل كثيرًا، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام، قال: أنا أبتدئ بها، فلما كان أول جمعة من المحرم، صعد المنبر قبل الخطيب، ودعا للمستضيء بأمر الله، فلم ينكر أحد عليه ذلك. فلما كانت الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد، وإقامة الخطبة للمستضيء بأمر الله، ففعلوا ذلك، ولم ينتطح فيها عنزان، وكتب بذلك إلى سائر الديار المصرية. وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أهله وأصحابه بذلك، وقالوا: إن سَلِمَ فهو يعلم، وإن توفي فلا ينبغي أن نغَّصَ عليه هذه الأيام التي قد بقيت من أجله، فتوفي يوم عاشوراء، ولم يعلم بذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ولما انتهى الخبر إلى نور الدين بالشام، أرسل إلى الخليفة ببغداد يعلمه بذلك مع شهاب الدين أبي المعالي بن أبي عصرون، فزينت بغداد، وغلقت الأسواق، وعملت القباب، وفرح المسلمون فرحًا شديدًا.
_________
(^١) انظر: الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٤٩٢.
(^٢) يقصد بذلك الخلفاء الفاطميين.
(^٣) انظر: الروضتين، ج ١ قي ٢، ص ٤٩٢ - ٤٩٣.
(^٤) كذا في الأصل، أما نص قول ابن الأثير في الكامل فهو: "رأيته أنا بالموصل". انظر: الكامل، ج ١٠، ص ٣٤. ط. بيروت، دار الكتب العلمية، ١٩٨٧.
1 / 70