فصل فيما وقع من الحوادث في السنة السابعة والستين بعد الخمسمائة *
استهلت هذه السنة والخليفة هو المستضيء (^١) بأمر الله، والخليفة في (^٢) مصر العاضد، والوزير بها الملك الناصر صلاح الدين يوسف، ولكنه في الحقيقة سلطانها، وليس لأحد معه كلام، لا من أمرائها، ولا من أعيانها، والعاضد تحت حكمه وقهره، ومع هذا قطعت الخطبة باسمه، وخطب باسم المستضيء الخليفة. وعقيب ذلك مات العاضد، والكلام فيه مفصل على أنواع:
الأول: في قطع خطبته:
قُطعت خطبته من ديار مصر في محرم هذه السنة، وسبب ذلك أن صلاح الدين لما ثبت ملكه في البلاد، وأمن السودان والأجناد، وضعف أمر العاضد، وصار قراقوش (^٣) حاكما في قصره، كتب نور الدين إلى صلاح الدين؛ يأمره بالقبض على العاضد وأقاربه، وقطع خطبته، وإقامة الخطبة للمستضيء بأمر الله، وكان المستضيء قد راسله في ذلك.
ولما وصل رسول الخليفة إلى نور الدين بذلك، سير نور الدين كتاب الخليفة، وكتابه إلى صلاح الدين؛ يأمره بالقبض على العاضد وأهله، والخطبة للإمام المستضيء.
فجمع صلاح الدين الأمراء، وشاورهم في ذلك، فمنهم من خوفه، ومنهم من هون عليه، فحضر الفقيه أبو يحيى بن اليسع الجامع يوم الجمعة سابع المحرم، وصعد المنبر قبل طلوع الخطيب، ودعا للإمام المستضيء، فلم ينكر أحد عليه. فلما كانت الجمعة الثانية، أمر صلاح الدين جميع الخطباء أن يخطبوا للمستضيء.
_________
* يوافق أولها: ٤ سبتمبر ١١٧١ م.
(^١) هو الحسن -أبو محمد- بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي، ولد سنة ٥٣٦ هـ/١١٤٢ م، بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، أي في ثماني ربيع الآخر سنة ٥٦٦ هـ / ١١٧١ م. وتوفي سنة ٥٧٥ هـ/ ١١٧٩ م. وفي خلافته انقضت دولة بني عُبيد وخطب له في مصر. انظر: تاريخ الخلفاء، ص ٤٤٤ - ٤٤٨.
(^٢) "بمصر" في نسخة ب.
(^٣) قراقوش: هو أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب بهاء الدين، خدم صلاح الدين وتوفي ٥٩٧ هـ/ ١٢٠١ م بالقاهرة، انظر: وفيات الأعيان، ج ٤، ص ٩١ - ٩٢.
1 / 69