فما ظهر أمام الجمع المحتشد أمام باب المجلس حتى هتفوا هتافا بلغ عنان السماء كان يتخلله قولهم: «ليحي النائب الحر» «ليحي سوبيسكي» «ليسقط الظلم» «ليسقط الاستبداد»، وهكذا كان الشعب يحيي قائده والمدافع عنه، ويظهر له ما يمكن أن يعبر به عن سروره واحتفائه به.
وبالجملة فإن جون سوبيسكي لم يمكنه أن ينسرق من هؤلاء الذين يودون الموت فداءه إلا بكل عناء، فذهب توا إلى قصره واستراح، وبعد أن تناول غذاءه ركب عربته وسار متنزها، فما توسطت عربته طريق ميخائيل حتى تقدم إلى العربة رجل لابس لباس الخدم البولانديين وبيده رسالة، وما لبث سوبيسكي أن رآه حتى أوقف العربة وقال: خيرا يا سرجيوس. - إن شاء الله يا سيدي، ولكن سيدتي أرسلتني لأقابلك وأعطيك هذه الرسالة.
فأخذ سوبيسكي الرسالة وأمر سائقه بالمسير، وفضها فوجد بها سطرا واحدا هو: «قابلني الليلة بغار السعادة» والإمضاء صوفيا.
فقال: يا ترى أي أمر جد ؟ وأي حادث حدث وأنا تاركها بالأمس قريرة العين؟ ولكن على كل حال سأراها اليوم.
وقف السائق أخيرا أمام قصر سيده، فنزل سوبيسكي من المركبة وصعد القصر.
فلنتركه الآن، ولنسر بالقارئ حيث يلتقي العاشقان.
الفصل الثالث
البولاندية الحسناء
صوفيا جاركوف غادة بولاندية تسكن وارسو عاصمة بولاندا وحاضرتها، وهي معروفة فيها بحبها للخير والإحسان ومد يد المعونة لفقراء وارسو وعائلاتها، وطالما رأوها سائرة متبرقعة بقناع كثيف حاملة بيدها مؤونة أو مالا تريد أن تحسن به مخترقة أزقة ضيقة وأماكن قذرة لا يسكنها إلا الشعب الفقير الذي صار في النزع الأخير من حياته؛ لما أصابه من تضييق في الحرية، وسلب في الأموال، وضياع في القوى.
تسير تلك الغادة الحسناء حتى تقف ببيت خيم عليه الفقر، فصارت أيام ساكنيه أشد سوادا من حظ المنكود؛ فتنقلب تعاستهم سرورا وأحزانهم حبورا، ولا غرو؛ فقد كانت كملائكة الرحمة، لا تنزل في مكان إلا وتترك به أثرا من آثار النعمة، تواسي المرضى فتسقيهم، وتساعد الفقراء فتنجيهم، وتطعم الأطفال فيفترون عن ثغر باسم شاكرين لها تلك اليد.
Bilinmeyen sayfa