لو كانوا عذبوني وقطعت الجبل كله، لو ربطوني لذيل حصان جرى بي القطر كله من أقصاه إلى أقصاه، لو ربطوني في عروسة جلد وجلدوني ألف جلدة، لو فعلوا ما هو أكثر وأكثر لما أحسست بربع معشار ما مر علي. ولم أعد أستطيع الكف، وجسدي يمضي يتصاغر ليصبح نملة، ويستمر نملة، ويعيش ويحب ويزاول الحب مع نملة. وعند لحظة النهاية فقدت الوعي.
قالوا لي إنهم حملوني حملا إلى الليمان، وإنهم خافوا من صراخي أثناء الليل، واستجار الزملاء من عضي، وتمزيقي لملابسهم وملابسي، وحملوني إلى مستشفى سجن مصر، ومن هناك إلى هنا. وهمس لي التومرجي الأسمر العجوز، وأنا في طريقي إليكم أنهم يفكرون في الإفراج الصحي عنه. ولو، ما الفائدة؟ وقد نمت مع النملة واعترفت، وكان الذي كان.
ولأنه لا أبشع من السجن والمنتظرين المحاكمة من كلمة اعتراف، فقد وقفنا على أطراف تحفزنا أنا وحمزة، ونحن نسأله: بماذا اعترف؟ ولماذا اعترف؟
قال وهو يشيح بيده: وأنا وسط العذاب، في منتصف الساعة بين كوني نملة وكوني ذكر نملة انكسرت إرادتي ولم أحتمل، وقلت كل ما عندي بأمل أن يتوقف أمر يونس بحري، وأن يكف العذاب، ورغم الاعتراف لم يوقف المجرم الأمر، وحتى لو كان أوقفه فأنا نفسي كنت غير قادر لحظتها أن أوقف عذاب التحول، إرادة أن أكون بشرا أفلتت وصارت لي إرادة نملة لا تقوى أبدا على الكتمان. •••
ورغم إعادته إلى المستشفى فقد سمعنا أن حرارته ظلت 41 طوال الليل، ورغم جسده المتين الضخم، في الصباح التالي مات.
أبو الرجال
1
نصف نائم، نصف مستيقظ، تأمل جلده. أدرك، كأنما فجأة، أنه لم ير عن عمد جلده مذ كان في أوائل مراهقته، ومذ كان الشعر، شعره نصف أصفر، نصف أسود، متناثرا، خفيفا، يكسو نعومة جلده. يذكر أنه فرح، وكان باستمرار يفرح كلما أمعن النظر إلى الجلد ووجد الشعر النابت يزدحم ويتكاثر ويغمق، حتى أصبح كله أسود.
فتح عينيه تماما، فقد أدرك وكأنما كان ينظر إلى جلد إنسان آخر.
أدرك أنه بالقطع ليس جلده، أو إن كان؛ فإن شيئا حدث له.
Bilinmeyen sayfa