القطط في حركة متوترة بين انكباب على اللباب والتحديق في عين بأعين شفافة مذعورة، وقالت عين: دائما تعثرين على الكلمة المناسبة، مشغولة بعروس جديدة؟ - الخاطبة تشوف العجب، من يصدق أن عريسا يرفض من أجل حلة نحاس؟! - ماذا تقصدين؟
أدركت أم سيدة أنها فهمت قصدها، فقالت باسمة: إنه شاب يستحق الإحسان!
تقوست بركة فارتفع ذيلها مثل نافورة، شبعت فيما يبدو، وثبت فاستقرت فوق الأريكة جنب عين؛ فهدهدتها براحتها، وبركة تستجيب مثل موجة راقصة. تساءلت أم سيدة مترددة وموجهة خطابها إلى القطة: كيف أنت يا نرجس؟
فهتفت عين: إنها بركة، أرأيت كيف نسيت أهل الدار؟!
فضحكت أم سيدة، ولمحت عزت فهتفت: كيف حالك يا سي عزت؟
فلم يهتم بها. وقالت عين معتذرة عنه: إنه مشغول بشعاع الشمس!
فضحكت أم سيدة كرة أخرى وقالت بحماس: رائحة الملوخية تملأ الحارة! - أهذا ما جاء بك يا نهمة؟
فراحت المرأة تناجي شذا الياسمين والحناء في نبرة غزل ممطوطة منغمة. •••
عقب الأذان غيرت عين ريقها على عصير خشاف فاتر ثم نهضت لتصلي المغرب، على حين جلست أم سيدة إلى المائدة بعد أن نزعت عنها الملاءة وهي تتمتم: «لا حياء في الجوع.» وراحت خادمة تشعل المصباح الغازي الكبير المدلى من السقف فوق السفرة، ثم أشعلت قنديل الفراندة المطلة على الحديقة، ومضى الإفطار في المضغ تتخلله كلمات عابرة. وانتقلتا بعد ذلك إلى الشرفة فجلست عين على الكنبة، وآثرت أم سيدة أن تقتعد شلتة لتمد ساقيها ترويحا لمعدتها المتخمة. ولفت سيجارة، تخدرت من أول نفس، نعست عيناها العسليتان، وانتفخ أنفها الغليظ الممسوح الأرنبة كرأس قطة. وسيطر الصمت قليلا تحت تأثير رغبة ملحة في الراحة، وجاءت خادمة بفانوس عزت الملون، فهفت نفس عين إلى الانطلاق وقالت: ما أحلى المشي عند الحسين!
فتمتمت أم سيدة ضاحكة: عندما ترجع إلي القدرة على المشي.
Bilinmeyen sayfa