خلب أبرد المناهل مَاء ... مهمل أجذب المراتع مرعى
شغلت نَفسك اللجوج وأعمت ... مِنْك عينا وأثقلت مِنْك سمعا
فتخطيت بالدواء أساة ... لم يرَوا للدواء عنْدك نجعا
ومحال بِأَن يرى فِيك شَحم ... لانتجاع وَأَنت جسمك ترعى
وَاعْلَم رَحِمك الله أَنه من كَانَ منتظرا لعقاب أَن ينزل بِهِ من أَمِير بلدته أَو عَظِيم قريته فَإِنَّهُ لَا يزَال متألم الْقلب مَشْغُول النَّفس وبحسب النَّوْع الَّذِي يخَاف من الْعقَاب يكون ألم قلبه وشغل نَفسه بهَا
فَإِنَّهُ من توعده الْأَمِير بِأَن يضْربهُ مائَة سَوط فَإِنَّهُ أشغل سرا مِمَّن توعده أَن يضْربهُ عشرَة أسواط وَمن توعده أَن يقطع جارحة من جوارحه كَانَ أَكثر توجعا مِمَّن توعده بِأَن يضْربهُ مائَة سَوط وَمن توعده بِأَن يضْرب عُنُقه كَانَ أَشد خوفًا مِمَّن وعده بِأَن يقطع بعض جوارحه وَكَذَلِكَ من توعده بِأَن يَجْعَل عَلَيْهِ أَنْوَاع الْعَذَاب ويعاقبه بضروب من الْعقَاب حَتَّى يَمُوت تحتهَا وَتخرج نَفسه بهَا كَانَ أعظم جزعا مِمَّن توعده بِضَرْب عُنُقه هَذَا هُوَ الْمُتَعَارف
فَإِن وجد إِنْسَان يخْتَار تَطْوِيل الْعَذَاب ويهون عَلَيْهِ رَغْبَة مِنْهُ فِي الْحَيَاة مَا بَين مَوته بِالْعَذَابِ وَسُرْعَة مَوته بِالسَّيْفِ فَهَذَا رجل قد غلب عَلَيْهِ الْجزع وَملك قلبه الْهَلَع فأطاش لبه وأزال عقله حَتَّى مَنعه من حسن النّظر وأوقعه فِي سيء الِاخْتِيَار
وَمَا منا أحد إِلَّا وَقد توعد بِالْقَتْلِ لِأَن الْمَوْت قتل فِي الْبَاطِن أَلا ترى أَنه يُقَال قتل فلَان فلَانا فَيُقَال بِمَ قَتله فَيُقَال بِسيف أَو بسكين أَو بخنجر أَو خنقه أَو غرقه أَو بِغَيْر ذَلِك من أَنْوَاع الْقَتْل وَالْمَوْت كالخنق فَهُوَ إِذن قتلة من القتلات وَإِنَّمَا جرت الْعَادة بِأَن يُقَال قتل فلَان إِذا قَتله مَخْلُوق وَقد يُقَال قتل الله فلَانا وَهُوَ قد مَاتَ من عِلّة أَو مَاتَ بَغْتَة وَلم يكن لمخلوق فِي ذَلِك فعل
فقد بَان لَك إِذن أَن كل وَاحِد منا ينْتَظر الْقَتْل وَلَا فرق بَين أَن يثب عَلَيْك إِنْسَان بِسيف أَو سكين أَو خنجر أَو بِغَيْر ذَلِك فيقتلك أَو يثب عَلَيْك
1 / 108