42

Can Çamd

عن عمد … اسمع تسمع‎

Türler

وإذا كان المجلس قد أصدر بيانا يناشد فيه «أي» مواطن رأى الهلال أن يبلغه بهذه الرؤية، ألا تنطبق هذه المناشدة على «علماء الفلك» المسلمين الذين قد يرون الهلال من «نظارات» أقوى كثيرا من النظارات العادية وأقدر وأدق؟

إن علم الفلك وحساب مدارات النجوم والأقمار ليس علما «وثنيا» ولا هو بعلم «كافر»، وإنما هو علم إسلامي نبغ فيه علماء المسلمين وأخذته عنهم أوروبا المسيحية. وإذا كنا نحن نستعمل ونعتمد على الموجات السلكية واللاسلكية «وهي اختراع أوروبي مسيحي» في توصيل «الرؤية» وخبرها إلى كافة المسلمين سواء في بقاع العالم المختلفة، فكيف نستحل هذه الوسيلة «غير الواردة في الشرع» ونحرم الوسيلة التي ابتكرها علماؤنا المسلمون لمعرفة وحساب ظهور الهلال؟

والمسألة فقط ليست مسألة فقهية أو شرعية من اختصاص القضاة والفقهاء. لقد أصبحت بداية رمضان المعظم وحلول عيد الفطر مسألة «تنظم» حياة مئات الملايين من المسلمين في كافة بقاع الأرض، أصبحت مسألة اجتماعية اقتصادية فوق كونها دينية؛ ونتيجة لهذا الارتباك يفقد المسلمون مئات بل آلاف الملايين من ساعات العمل والإنتاج. والمسلمون في كافة أنحاء الأرض معظمهم فقراء وفي حاجة إلى جهد جبار خارق للإنجاز والإنتاج، ويكفي أن نضرب مثلا على ما حدث يوم الاثنين والثلاثاء 12 و13 سبتمبر، فأعتقد أنهما فقدا تماما كيومي عمل مثمر للمسلمين كافة، وضاعت على المسلمين لا أقل من ألف مليون ساعة عمل. والسؤال هو: أين الحرام وأين الحلال في هذا؟ أن نضيع أموال المسلمين وحياتهم على هذه الصورة ليزدادوا فوق فقرهم فقرا، أم نبحث عن وسيلة موحدة يتفق عليها جميع المسلمين لتحديد يوم صومهم ويوم إفطارهم؟

اختراع جميل جدا

شعب غريب. أتأمل الكلمات التي طالما تبارى الكتاب والمستكتبون وأصحاب الحديث والمستحدثون يصفون بها شعبنا، وأهز رأسي: الشعب العظيم، الشعب الطيب، الشعب المتحضر، الشعب العريق ...

ومنذ الثورة الفرنسية وظهور الماركسية أصحبت كلمة الشعب «دوجما»، أي شيء غير قابل للنقاش وكأنه المعبود الجديد. كل قائد ثورة أو منشئ حكم يتبارى في تمجيده ويذكر أنه «الشعب المعلم»، «الشعب الملهم»، له وحده أركع أو أخضع، ومنه أستقي الدروس وعليه أتتلمذ. ولقد حاولت في لحظة تأمل أن أضع يدي على المدلول المادي الحقيقي لكلمة «الشعب» هذه، وبالذات في وقتنا الحاضر. ذلك أن المسائل تطورت خصوصا في بلاد العالم الثالث إلى درجة خطيرة، فباسم الشعب يشنق هذا وباسم الشعب يؤله آخر. وإذا كانت السيدة التي قالت وهي تساق إلى «الجيلوتين» لكي يفصل رأسها عن جسدها أيام الثورة الفرنسية، قالت: أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك! حتى ذهبت مثلا. ولكن «الحرية» كلمة محددة معروفة لها معنى، عدوها ظاهر للعيان إن اجترأ وظهر، ونصيرها من الممكن معرفته حتى ولو لم يعلن عن نفسه، ولكن المشكلة الحقيقية أن كلمة الشعب ليست أبدا بهذا التحديد أو الوضوح. إنها موجودة والشعب أي نعم موجود، ولكن الكارثة أن كل أو تقريبا كل فرد من أفراد هذا الشعب يستطيع أن يتحدث باسم الشعب، كل إنسان باستطاعته أن يقول إن شعبنا يريد كذا أو كيت، وكل حاكم باستطاعته أن يؤكد أنه إنما يتخذ هذا الإجراء أو ذاك «باسم الشعب» أو باسم الأمة أو باسم الأمن القومي. كلمات كبرى ذات رنين خفاق يبعث الرهبة في القلوب، فتصور أنك تأخذ أجزاء كبرى ذات رنين خفاق لمليون أو لمئات الملايين من البشر، إما يحقق لهم رغبة أو تضرب دفاعا عنهم قوة. مسألة تجعلك تتصور وكأنه الشعب بملايينه قد اجتمع في معبد هائل الضخامة هائل الارتفاع مدوي الرنين، ومن الصوت الحقيقي النابع من إرادة كل فرد على حدة تتجمع كقطرات الصوت سحب الرنين المتصاعد يرعد ويبرق وتهتز لها جدران الكون نفسه إن كان للكون جدران.

المسألة في أصلها إذن شيء رهيب لا يكاد العقل أو الخيال يتصوره أو يحيط به. ولكن المشكلة كما قلت إنها في دول العالم الثالث مثلنا قد تحولت إلى شيء أبسط من البساطة، من أبسط الأشياء على أي حاكم في آسيا أو أفريقيا أو حتى أوروبا أن يقول باسم شعبنا العظيم وتاريخه وتراثه وتقاليده الخالدة، لا أقول يعلن الحرب أو يقر دستورا وإنما يرحب بزيارة رئيس وزراء أو أحيانا وزير.

ويبدو أن هذه المشكلة لم تخطر ببالي وحدي. يبدو أنها منذ زمن وهي تطرق أدمغة أناس كثيرين من دول أكثر تقدما، ولهذا ابتكروا من أجلها حكاية معاهد قياس الرأي أو الاستفتاء مثل معهد جالوب أو غيره وهو لدى أي عمل يقوم به رئيس أمريكي أو شخصية ذات أهمية عامة، لدى كل حركة منه أو لدى كل خطوة أو أزمة، يضعون استفتاء عاجلا ليتعرفوا على مدى شعبية الرجل أو حظوته أو اتجاهات الرأي العام. ولكن هذا في رأيي مجرد تعرف سلبي «لاتجاه» الرأي العام لا يمكن أن يصل إلى تغطية كاملة لرأي الشعب، ولا إلى كشف عميق لما يريده الناس فعلا ويتمنونه. إنهم يختارون «عينات» من قطاعات مختلفة من الجمهور من مختلف المهن والأعمار والبيئات، وهذه قد تعطي فكرة شاحبة جدا عن ماهية أو اتجاه الرأي في هذا الموضوع أو ذاك، ولكنها أبدا لا تمثل الحقيقة الكاملة. بل إن الأرقام التي تذيعها أمثال هذه المعاهد نفسها أرقام يشكك البعض فيها رغم الضمانات الرهيبة التي تحاط بها إجراءاتها، ويعتبرون أنها أيضا مثل الإذاعة والتليفزيون في كل وأي بلد مهما بلغت ديمقراطيته «موجهة»، بعضها موجه بحذق ومهارة وخبث دفين من الصعب تماما اكتشافه، وبعضها موجه بطريقة عبيطة تماما أو واضحة كل الوضوح لا يمكن أن تخفى على أحد. •••

ماذا جعل هذه الأفكار كلها ترد إلى ذهني؟ ربما السبب أني طول اليوم أفكر في كلمة الشعب والشعوب هذه، وأتأمل ليس فقط كم من الجرائم ترتكب باسمها، ولكن المهم كم من التزويرات تحدث باسمها. هذه الأوضاع في بلادنا العربية كلها، في منطقة الشرق الأوسط، لا بل في العالم كله، أهي تعبر حقا عن إرادات شعوب المنطقة أو العالم؟ ألسنا كشعوب عالم مساكين إلى درجة لا يتصورها عقل؛ بغير إرادتنا نحارب، ومسلوبي الإرادة نسالم؟ الحرب العالمية الأولى مثلا بأي حق تقوم؟ ومن يذكر الآن السبب الإنساني الملح لقيامها؛ ذلك الذي أضاع عشرات الملايين من أرواح البشر؟ الحرب العالمية الثانية، وما بين الحربين وما بعد الحربين، سبعون مليون إنسان قتلوا قتلا، ودائما وأبدا باسم الشعب وباسم الشعوب. حتى حين تدخل المبادئ حقل الوجود البشري؛ تلك المبادئ التي في العادة تقوم لخلق إنسان أكثر سموا وأقل وحشية وتأخرا، فتتحول على أيدي الحكام الذين «باسم الشعب والمبدأ» يحكمون، إلى مذابح وإلى دم كثير يسيل، وأرواح آدمية لا عدد لها تهدر، لكي - ويا للمهزلة! - يصبح الإنسان أكثر سموا وأقل وحشية. •••

وتصوروا الكارثة! شعوب منطقتنا كلها تريد السلام والأمن والاستقرار. لا مواطن واحد فيها يريد الحرب إلا من يعاني منهم حقيقة من لوثة عقلية. وحكوماته، باسم تلك الشعوب الطيبة المسالمة تدفع الأمور دفعا إلى هوة الحرب، بالرفض أو بالقبول أو بالتعنت. وتحت أسماء كثيرة براقة خادعة، مجرمة في حقيقتها، مجرمة إجراما يأنف منه الوحش ذاته، تهيئ المسرح للمجزرة.

Bilinmeyen sayfa