وظن بعضهم أن المقوقس اسم الرجل على أصله، أو مشوبا ببعض التحريف.
وظن بعضهم أنه لقب وظيفة، ثم اختلفوا في الرجل الذي كانت تطلق عليه، فمنهم من اعتقد أنه «الأجيرج» أو الأعيرج الذي جاء في كلام بعض المؤرخين العرب أنه كان يتحصن في قصر بابليون، ومنهم من اعتقد أنه البطرق بنيامين الذي كان على مذهب الكنيسة الوطنية، ومنهم من اعتقد أنه البطرق فيروش الذي كان على مذهب الكنيسة الملكية، ومنهم من قال: إنه وطني تمذهب بمذهب أبناء البلاد واعتقد الكفر في رؤساء الدين بالقسطنطينية، فأضمر الكيد لهم وأحب أن يستأثر بالحكم دونهم، ولم يتفقوا بعض الاتفاق أخيرا إلا في أمر لقبه باللغة اليونانية، فليس بين المؤرخين اليوم من يحسب المقوقس اسما للرجل.
بل ليس فيهم من يحسب أنه لقب سبقه إليه أحد من ولاة الروم على الديار المصرية.
وعندنا أن هذا «اللقب» مفتاح لبعض الألغاز التي أحاطت بتاريخه؛ لأنه يرجح الدلالة على جنسه، وعلى علاقته بالدولة التي كانت لها السيادة الاسمية على البلاد.
لم تجر عادة الدول الأجنبية أن تفخم ألقاب الولاة إلا إذا كان الغرض مرضاة البلد المحكوم بمظهر من مظاهر السيادة.
وكانت الدولة الرومانية على الخصوص تكتفي بأيسر الألقاب إذا أطلقتها على الولاة من الرومان، فكانت تسمي الوالي حاكما أو قنصلأ أو نائب قنصل أو نائبا أو وكيلا، من أشباه هذه الأسماء التي تؤدي المعنى الرسمي ولا تزيد، وتعمدت الدولة في أيام العواهل أن تضعف من في الولايات؛ لأنهم كانوا يرشحون أنفسهم للعرش إذا برزوا بين القادة وملكوا زمام الجيش في إقليم كبير.
إنما كانت ألقاب التفخيم مقصورة على الوطنيين ومن هم في حكمهم من المنتسبين إلى البلد؛ لأن هذا اللقب عوض عن التاج حيث لا منازعة عليه، فلا خطر على الإمبراطور في القسطنطينية من رئيس وطني مفخم في بلده بين أبناء وطنه، بل في ذلك دفع لخطر الثورة ورضى بالنصيب المقدور من الرئاسة، وأما الخطر كل الخطر فهو من تعظيم قائد روماني ينازع الإمبراطور على عرشه، ويتخذ من فخامة اللقب ذريعة إلى الاقتراب به من مقام الإمبراطور وجميع الأعوان الذين يحيطون به، كما يحاط بكل حاكم مناظر لصاحب العرش يطمح إلى مكانه.
وقد وجب تعويض مصر عن بعض ما فقدته من سلطان الملك وسلطان الدين بعد القرن الخامس للميلاد.
فقبل ذلك كانت الثورات في مصر لا تنقطع، وكان بعض الثائرين من قادة الرومان أنفسهم، فلما استقرت هذه الثورات بعض الشيء كانت الإسكندرية قد تعرضت لمنافسة شديدة أشد عليها من سلطان السيادة السياسية.
كان الإمبراطور قسطنطين قد دان بالمسيحية في أواخر أيامه، فأصبحت عاصمة الدولة تابعة في العرف الديني لكنيسة الإسكندرية؛ لأنها أقدم الكنائس وأكبرها في المشرق والمغرب.
Bilinmeyen sayfa