فغرت المرأة فمها مدهوشة وقالت: خوند مصرباي! - نعم يا سيدتي، وكانت قبل أن تصعد إلى العرش رقيقا في يد جاني باي، ومن قبله في يد جقمق، فأين منها اليوم جقمق وجاني باي!
قالت المرأة وأطرقت برأسها تغالب ما في نفسها من القلق والإشفاق: وطومان باي ...
قال الرجل في دهشة: وتعرفين الأمير طومان باي الدوادار يا سيدتي! - الدوادار! - نعم، ابن أخي السلطان، ودواداره الكبير، وصاحب سره ونجواه! - طومان! - نعم، وكان رقيقا تحت يد جقمق، قبل أن يشتريه قنصوه الغوري فيعرف أنه ابن أخيه، وكأني أراه الساعة هو وخشقدم الرومي في يد جقمق بالبهو الكبير في خان مسعود، لا يعرف ماذا يخبئ له الغد من المجد والسعادة!
قالت المرأة هامسة وكأنما تهذي من حمى، وقد غاب سواد عينيها ومال رأسها إلى ناحية: طومان، ابن أخي السلطان!
وانهار عزمها فهوت في مكانها وعاودها الداء، ثم استفاقت، وكان لم يزل إلى جانبها جاني باي الشيخ ...
قال الرجل وقد فاءت المرأة إلى نفسها، وعادت إلى مجلسها بين يديه صامتة تحدق فيه بعينين شاكرتين، وعلى شفتيها ترف ابتسامة هادئة: ماذا بك يا سيدتي؟
قالت وكأنما تتحدث إليه من مكان بعيد: لا شيء، إنما هو داء يعتادني إذا ضاقت نفسي، ولكن قل لي: من أخبرك أن السلطان هو عم طومان، وما أعلم لأبيه أخا؟
قال الرجل مدهوشا: أفأنت تعرفين طومان وأباه يا سيدتي؟
فعضت المرأة على شفتيها واستدركت قائلة: لا، وإنما حسبته لا عم له !
قال جاني باي: وكذلك كان يحسب طومان باي نفسه فيما قص علي، ولكن حديثا جرى على لسانه ذات يوم في مجلس قنصوه الغوري بحلب، عرف منه قنصوه أن طومان باي ابن أخيه، فأعتقه واتخذه ولدا، وهو اليوم دواداره الكبير وصاحب تدبيره، وما أراه إلا سلطان مصر في غد، وقد خلفته منذ أسابيع في القاهرة وليس بها أحد أعز منه جانبا وأرفع شأنا ...
Bilinmeyen sayfa