69

فإن لم يكن نبأ خالد قد وصل إلى كل عدو من أعدائه، فالذي لا ريب فيه أن أتباعه كانوا على علم بنبئه، فكانوا على ثقة بسداد رأيه ومضاء عزمه، وكانوا يطمئنون إليه فيعلمون معه عمل المطمئن إلى نجاح سعيه، وهذا هو فضل القيادة الصالحة في نفوس الأتباع.

خرج خالد وزملاؤه للقاء الفرس والروم بعد وفاة النبي - عليه السلام - بسنة واحدة، وبعد حروب طالت في الجزيرة العربية عدة سنين ...

فلو كانت الفتن وموت الزعماء قاضية على كل أمة كيفما كان السبب وكانت البيئة لكان مصاب العرب كمصاب الفرس والروم في تلك الأعوام: فتن وفتن ... ونبي مات أو قيصر شاخ ... فهؤلاء وهؤلاء في العلة سواء ...

لكن حركة العرب حركة إنشاء ونماء ...

وحركة الروم والفرس حركة اختلال وتفويض ...

وجسم الفتى اليافع مضطرب لا يستقر على حال ...

وكذلك جسم الهرم الذاهب، ولكن شتان اضطراب واضطراب ... •••

كانت علل الفناء قد اصطلحت على بنية الدولة الفارسية يوم قصد خالد إلى تخومها من ناحية السواد.

وكانت علل مثلها - وإن كانت أخف منها - قد اصطلحت على بنية الدولة الرومانية الشرقية، يوم قصدها زملاؤه القواد من شتى نواحيها قبل الشام والبلقاء ... وهذه خلاصة وجيزة عن الحالة يومئذ في الدولتين؛ يقول شراح الحضارات إن الحضارة تبتدئ بمعنى روحي قليل المظهر، ثم تنتهي إلى مظهر ضخم يتراخى به الزمن حتى لا تبقى فيه بقية من المعاني الروحية ...

وهذه هي الحالة التي كانت عليها دولتا الفرس والروم عند اصطدامهما بالدعوة الإسلامية في نهضتها الأولى.

Bilinmeyen sayfa