فلست بعادل عنهم سواهم
طوال الدهر ما اختلف الجديد
20
إلى آخر ما نسب إليه.
فأقرب شيء إلى الواقع - وإلى المتوقع - أن يؤخذ ببلاغة القرآن رجل نشأ هذه النشأة، وأحب الكلام البليغ هذا الحب، وأن يخشع لآياته، ويعجب لتفصيله، فيفتح من قلبه مسالك الإصغاء.
وكان عمر مستقيم الطبع مفطورا على الإنصاف، فلم يكن رجل مثله ليستريح إلى فساد الجاهلية، أو يخفى عليه فسادها، إذا نبه إليه وهدي إلى ما هو خير منه.
وكانت النزعة الدينية وراثة في أسرته على ما يظهر من مبادرة أخته فاطمة وابن عمه سعيد بن زيد إلى الإسلام، وكان له قبل الإسلام رجل من عمومته يقدح في الوثنية، ويبحث عن الحق في النصرانية واليهودية، ويبتلي أهله بالخلاف، ويبتلونه بالإيذاء والحبس والإرهاق، ونعني به زيد بن عمرو بن نفيل.
وعمر نفسه، ألم يقل لنا إنه يئس ليلة من السمر ومن الخمر، فذهب يطوف بالبيت، كأن طواف البيت شهوة من شهوات قلبه، تنوب عنه مناب المحبوب من الشهوات؟ ألم يكن في الجاهلية ينذر أن يعتكف ليلة من كل أسبوع؟ بل لعل صلابة الخطاب أبيه لم تكن في صميمها شيئا مناقضا لعنصر الدين والإيمان، فإذا هؤلاء الصلاب الشداد في المحافظة على العرف هم أولئك المؤمنون المتزمتون
21
الذين لا يطيقون المساس بعقائدهم إذا آمنوا بدين.
Bilinmeyen sayfa