فهنا علمته الرحمة كيف يطيع الدين، ولن يطيع الدين هكذا إلا رحيم.
وقد فرض عمر لكل مولود لقيط مائة درهم من بيت المال كما فرض لكل مولود من زوجين، وهي رحمة قد يحجبها النفور من الزنا وثمراته في نفوس أناس ينفرون فلا يرحمون.
بل كان يرحم كل مخلوق حي حتى البهيم الذي لا يبين بشكاية، فروى المسيب بن دارم أنه رآه يضرب رجلا ويلاحقه بالزجر؛ لأنه يحمل جمله ما لا يطيق.
وكان يدخل يده في عقرة البعير الأدبر
24
ليداويه وهو يقول: إني لخائف أن أسأل عما بك. ومن كلامه في هذا المعنى: لو مات جدي بطف
25
الفرات لخشيت أن يحاسب به الله عمر، وإنه لشعور بالتبعة عظيم.
لكنه - كما أسلفنا - لن ينبت في قلب كل أمير عليه تبعة، إلا أن يكون به منبت للرحمة عظيم. •••
فنحن إذن بإزاء صفة كبيرة إلى جانب صفته الكبيرة؛ الرحمة إلى جانب العدل، وكلتاهما من البروز والوثاقة وعمق القرار بمثابة العنوان الذي يدل على صاحبه، أو بمثابة العنصر الأصيل الذي يلازمه ويلابسه، ولا يفارقه في جملة أعماله.
Bilinmeyen sayfa