وسوف لا نحتاج إلى جهد إذا قلنا إن دعايات اليمين الرجعي تدور حول هاتين النقطتين، وهذا - في حد ذاته - لا يدعو إلى الدهشة.
غير أننا نذهل، عندما نجد الدكتور في هجومه على التجربة الناصرية وعلى اليسار المصري يستخدم نفس الحيثيات التي يستخدمها أقصى اليمين:
فقد انتهى من هجومه على التجربة الناصرية إلى أنها - بسلبياتها التي خربت نفس الإنسان - أفدح ضررا من تجربة أخرى عرفتها مصر هي تجربة الحكم الملكي الإقطاعي، ولما كانت الدعايات المكثفة لليمين لا تطرح بديلا ثالثا بين التجربة القديمة وبين التجربة الناصرية، فهنا يمكننا أن نتصور كيف يحمل الدكتور بنفسه الماء إلى طاحونة العدو.
وفيما يتعلق باليسار المصري فهو - بعد أن اتهمه بأنه خليط بين الاشتراكية الصحيحة وبين «التطبيق الاشتراكي المزيف للتجربة الناصرية» هاجمه بكل أسلحة اليمين الرجعي، فراح يوحي - مستخدما عبارات مطاطة وزئبقية - بأن اليسار المصري أخذ رشوة في شكل المناصب الرفيعة التي تولاها عدد من أعضائه أو أقطابه، وأنه سيطر على أجهزة الإعلام في مقابل أن يتولى الدفاع عن التجربة دفاعا مطلقا.
وهي اتهامات لا تختلف كثيرا عن ادعاءات اليمين الرجعي بأن مصر شهدت عشرين عاما من الحكم الشيوعي يجب أن تتخلص منها، ولا تختلف عن الادعاءات التي نشرت في بعض الصحف (وفندتها الطليعة بالوقائع) بأن الصحافة كانت تخضع إلى أربعة شهور مضت لسيطرة شيوعية كاملة.
أما هجوم اليمين على اليسار فهذا أمر مفهوم ورد فعل طبيعي، وهو لم يتوقف لحظة واحدة منذ الأربعينيات عندما طرح اليسار شعارات الاشتراكية العلمية، والشعارات الخاصة بمرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية (ضرب الإقطاع وتصفية سيطرة رأس المال الاحتكاري الأجنبي)، ويعلم اليمين الرجعي من تجربته أن اليسار المصري لم يزل رأس الحربة في النضال ضد كل قوى التخلف في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأما هجوم الدكتور على اليسار المصري، فهو وإن قدم أجل الخدمات النشاط اليمين الرجعي، إلا أنه يدخل بمقياس الحقيقة في باب الافتراء، بقواعد أدب الحديث في باب الأمور غير الصحيحة. وبأسلوب المجاملة في باب الوقائع التي دست على الدكتور فتقبلها بحسن نية.
ولسوف يطول بنا الحديث في قضية اليسار المصري ومواقفه بما لا يسمح به الحيز على هذه الصفحات، ولسوف يكون لنا لقاء طويل، طويل مع الدكتور على صفحات مجلة «الطليعة» حول هذا الموضوع، ولكن الشيء المؤسف - على سبيل المثال لا الحصر: (1)
أنه عندما تحدث عن اليسار المصري لم يحدد أسماء ووقائع وتواريخ. وندعوه إلى أن يفعل. (2)
أنه عندما اتهم اليسار بالسكوت على نهب المال العام ابتداء مما كان في القصور الملكية إلى الحراسات إلى المجهود الحربي لم يعجز فقط عن أن يذكر اسما واحدا أو واقعة واحدة، ولكنه ذهب في التجني إلى محاسبة اليسار على فترة يعلم الدكتور أن اليسار كان فيها مطاردا فضلا عن أنه لم يكن في الحياة العامة.
Bilinmeyen sayfa