146

Saraylar Arasında

بين القصرين

Türler

أدنى السيد رأسه من رأس الرجل، وقال بصوت منخفض ... وكأنما يداري ابتسامة: ليس ياسين بين الأزواج بنادرة، فكم منهم من يسكر ويعربد ويعمل البدع!

فقطب محمد عفت لينفي عن نفسه شبهة الاستجابة لهذا الكلام الموحي بالدعابة ... وقال بجفاء: إن كنت تشير إلى جماعتنا أو إلي أنا خاصة، فالحق أني أسكر وأعربد، وأعشق، ولكني ... بل نحن جميعا، لا نوحل في القاذورات! ... جارية سوداء! ... أهذه التي قضي على ابنتي بأن تتخذها ضرة؟! ... كلا ... كلا ورب السموات ... لن تكون له ولن يكون لها.

أدرك السيد أحمد أن محمد عفت - ربما كابنته سواء بسواء - مستعد لأن يعفو عن أمور كثيرة، إلا أن يخلط ياسين بين كريمته وبين جاريتها السوداء، إنه يعرفه تركيا في عناد البغل، ثم ورد على ذهنه قول صديقه إبراهيم الفار يوم كاشفه بنيته في خطبة زينب لابنه ياسين، فقد قال له: «أصيلة بنت أصيل، محمد أخونا وحبيبنا، ابنته ابنتنا، ولكن هل فكرت رويدا في منزلة الفتاة من نفس أبيها ... هل فكرت في أن محمد عفت لا يتسامح من ذرة غبار إذا مست لها ظفرا؟!» ... لكنه رغم هذا كله تعذر عليه أن يقيس الأمور بغير مقياسه، وكان يفاخر دائما بأن محمد عفت على فظاعة غضبه إذا غضب، لم يحتد عليه ولو مرة واحدة طوال معاشرتهما المديدة! ... قال متسائلا: رويدك، ألا ترى أن مبادئنا واحدة وإن اختلفت التفاصيل؟ جارية سوداء أو عالمة ... أليست كلتاهما امرأة؟!

فانتفخت أوداج محمد عفت وضرب حافة المكتب بقبضته ... وانفجر قائلا: أنت لا تعني ما تقول! الخادمة خادمة والسيدة سيدة، لماذا لا تعشق الخادمات إذن؟! لم يشابه ياسين أباه، إني آسف لكون ابنتي حبلى، كم أكره أن يكون لي حفيد تجري في دمه القذارة!

وخزته الجملة الأخيرة فغضب، ولكنه استطاع أن يغلق قلبه على غضبه بقوة حلمه الذي يحبو به أصدقاءه وأحبابه، حلم بين الأصدقاء لا يعادله في قوته إلا غضبه بين آله ... ثم قال بهدوء: أقترح عليك أن تؤجل الحديث إلى وقت آخر.

فقال محمد عفت محتدا: أرجو أن تحقق رجائي الساعة!

آه ... لقد بلغ به الامتعاض حدا لم يكن الطلاق نفسه معه بالحل المستكره، ولكنه كان يشفق على صداقة العمر من ناحية، وتعز عليه الهزيمة من ناحية أخرى، أليس هو الرجل الذي يتشفع به الناس ليفض الخصومات وليصل ما انقطع من المودات والزيجات؟! ... فكيف تحل به الهزيمة وهو يدافع عن ابنه فيرضى بحكم الطلاق؟! ... أين حلمه؟ ... أين كياسته؟ ... أين لباقته؟ - لقد أصهرت إليك لأوثق أسباب الصداقة بيننا ... فكيف أقبل أن أعرضها للوهن؟

فقال الرجل بإنكار: صداقتنا في حرز! ... لسنا أطفالا، ولكن كرامتي لا يمكن أن تمس.

فقال السيد برقة: ماذا عسى أن يقول الناس عن زيجة انقطعت ولما تتم عامها الأول؟

فقال محمد عفت بعجرفة: لن يرجع عاقل العيب إلى ابنتي.

Bilinmeyen sayfa