125

Saraylar Arasında

بين القصرين

Türler

بدا كمال طوال الحديث وكأنه يحاول أن يتذكر أمرا ذا بال، فما بلغ الحديث تلك النقطة حتى صاح: مدرس العربي قال لنا بالأمس إن الأمم تستقل بعزائم أبنائها!

فهتفت الأم ساخطة: لعله قصد بخطابه كبار التلاميذ، ألم تحدثني يوما بأن عندكم تلاميذ قد طرت شواربهم؟

فتساءل كمال بسذاجة: وأخي فهمي أليس تلميذا كبيرا؟

فقالت الأم بحدة على غير مألوفها: كلا ليس أخوك كبيرا، إني أعجب لذلك المدرس كيف سولت له نفسه أن يتحدث إليكم في غير الدرس! ... إذا شاء أن يكون وطنيا فليوجه هذا الكلام إلى أبنائه في البيت لا إلى أبناء الناس!

كاد الحديث يحمس ويستمر، لولا أن سنحت كلمة عابرة فغيرت مجراه، أرادت زينب أن تتودد إلى الأم بتأييدها في دفاعها، فحملت على مدرس العربي ونعتته بأنه «مجاور حقير عملت الحكومة منه رجلا ذا شأن في غفلة من الزمان» ... ولكن ما إن سمعت الأم هذه الإهانة توجه إلى «المجاور»، حتى أفاقت من انفعالها، وأبت أن تسكت عنها رغم أنها قيلت تأييدا لها، مدفوعة بكل ما تنطوي عليه نفسها من إجلال لذكرى أبيها، فتحولت إلى زينب وقالت بهدوء: أنت يا ابنتي تحقرين أشرف ما فيه، الشيوخ خلفاء الرسل، إنما يلام الرجل على خروجه عن حدود وظيفته الشريفة، ألا ليته قنع بأن يكون مجاورا وشيخا!

ولم يفت ياسين سر تحول الأم المفاجئ، فبادر بالتدخل ليمحو الأثر الذي تركه دفاع زوجته البريء.

53 - انظر إلى الطريق، انظر إلى الناس، من يقول بعد هذا إن الكارثة لم تقع؟!

ولكن السيد أحمد لم يكن في حاجة إلى مزيد من النظر، الناس يتساءلون، ويرجفون، وأصحابه يخوضون في الحديث خوضا حارا تجاوبت فيه الحسرة مع الحزن مع الغضب، إلى أن الخبر قد تردد على ألسنة كافة من مر به من الأصدقاء والزبائن، أجمع الكل على أن سعد زغلول وصفوة أصحابه قد اعتقلوا وسيقوا إلى مكان مجهول في القاهرة أو خارجها، قال السيد محمد عفت وهو محتقن الوجه بدم الحنق: لا تشكوا في صحة الخبر، فإن لأخبار السوء رائحة تزكم الأنوف ... ألم يكن هذا متوقعا بعد خطاب الوفد للسلطان؟ ... أو بعد رده على الإنذار البريطاني بذلك الخطاب الجبار إلى الوزارة الإنجليزية؟!

فقال السيد بوجوم شديد: يعتقلون الباشوات الكبار! ... يا له من حدث مخيف، ترى ما عسى أن يصنعوا بهم؟ - الله وحده يعلم، البلد يختنق في ظل الحكم العرفي.

ودخل عليهم السيد إبراهيم الفار تاجر النحاس مهرولا وهو يهتف لاهثا: أما سمعتم بآخر الأنباء؟! ... مالطة!

Bilinmeyen sayfa