وبينما نحن نتأهب لنومة القيلولة قال البارودي وهو يخلع ملابسه: على فكرة، سانتي دي بلاش تيجي هنا.
واستغربت لكلامه؛ فقد كنت أظن أن الموضوع لم يأخذ من انتباهه كل هذا القدر، وقد تأكدت أنه أخذ مجيئها على المحمل الذي لم أكن أريده أن يأخذه عليه، وأحسست بالضيق وعدت مرة أخرى أشرح له أن ما تجيء من أجله لا يتعدى السبب الذي ذكرته له، ودارت المحاورة التي ذكرتني بالكثير من المحاورات التي كانت تدور بيني وبينه حين يكون الحق بجانبه في الظاهر وأكون أنا عاجزا عن إنطاق حقي فيفحمني، وأحاول الصمود ويعود فيفحمني؛ فأزداد استمساكا بموقفي.
وقال وكأنما يريد أن ينهي النقاش: على العموم ده مش أمر مني، ده مجرد رأي بقوله لك وأنت حر.
وكان معنى هذا أن كلامه أمر غير رسمي. وأدركت أني كنت على حق في الحيلة التي لجأت إليها للتخلص منه.
ومضى يومان طويلان لم أر فيهما سانتي؛ إذ كان لا يمكن أن أراها والبارودي موجود. لورا هي التي جاءت أكثر من مرة، ولم يزحزحها عن الدخول وجود البارودي ولا تعليقاته الساخرة على بيتي الذي أصبح مدرسة وأصبح في حاجة إلى ناظر.
وخلال اليومين كنت أنتظر مجيء العائلة بصبر نافد، وأخيرا وفي صباح اليوم الثالث جاءوا. وكانت المقابلة الصاخبة وضجة الترحيب المعتادة. وفوجئوا بوجود البارودي في البيت، ولكن البارودي لم يفاجأ بمجيئهم، بل لم يبد عليه أية بادرة تدل على أن في نيته مغادرة البيت، وكان من الطبيعي جدا أن يحيا معنا وفي وجود أخواتي البنات.
غير أنه قال لي حين انفردت به: أظن مفروض أني أمشي؟
ولم تعجبني الطريقة التي سألني بها؛ فقد كان واضحا أنها طريقة من يتوقع أن تجيبه بقولك مثلا: لا، لا داعي أبدا لهذا.
وفي إجابتي له حاولت أن أحوم حول الموضوع وأفهمه بطريقة غير مباشرة أن للقاطنين في الأرياف تقاليد، وأننا لسنا متحررين إلى هذه الدرجة.
وفهم البارودي أن عليه أن يغادر البيت.
Bilinmeyen sayfa