أحيانا يفيق الإنسان فيجد نفسه متجها إلى مكان معين، هكذا، بلا وعي أو تفكير. وقد جعلنا سؤال الريس نفيق. وحين أفقنا كان كل شيء أمامنا له سبب. الخالة ذاهبة لترى ابنها. والقارب يتحرك لأن الريح تدفعه. وحلمي جرحت جبهته لأنه ارتطم بالصاري. أما نحن فلماذا نحن ذاهبون؟
رغما عنا رحنا نسأل أنفسنا لأول مرة.
ولم نجد جوابا معقولا أو مقبولا. كل ما وجدناه كان إحساسا كبيرا لا يترك لنا مجالا للتفكير أو السؤال. إحساسا أن شيئا هائلا مؤلما لا بد قد حدث هناك، وأننا يجب أن نكون بالقرب مما حدث.
ولكن حقيقة، لماذا نحن ذاهبون؟
وما تلك القوى الخفية التي تدفعنا وتحبب إلينا الذهاب؟!
وانتهى نقاش الخالة مع حلمي حين ارتفع صوتها وكله غضب: بقى تموتوا أرواحكو كدب في نصب. لا انتو فدائية ولا حرس ولا حاجة ورايحين تموتوا أرواحكو. انتو مالكوش أمهات؟ والنبي يا ريس اعمل معروف رجعهم. رجعهم اعمل معروف تكسب ثواب ما تخليهمش يهوبوا على البر. إلهي ما تحرق قلب أم على ولدها يا رب.
قال الريس: ما تتعبيش نفسك يا أمي .. اللي عقله في راسه يعرف خلاصه لازم في نيتهم حاجة. خليهم يا ستي كل حي في سكته.
وكان يقول الجزء الأخير وهو يقف ويتمغط ويتثاءب، ولكنه كف عن تثاؤبه وقال بإرهاب كثير: بصوا.
واتجهنا كلنا إلى حيث أشار، وهناك، عند نهاية الأفق، وفي ضوء الفجر المشبع بالبرودة، كانت توجد غمامة كثيفة داكنة فيها أضواء قليلة صفراء معطوبة تكاد تذبل.
وقال الريس: أهه .. خلاص .. وصلنا.
Bilinmeyen sayfa