وما دامت كذلك فهي ليست واجبة الوجود بذاتها، وليست أزلية قائمة في الكون من قديم الأزل. فما الذي أوجدها، ومن أي مادة كان إيجادها؟
يجوز أن يقول شو إنها وجدت من هذه المادة الكونية على سبيل الخطأ، وإنها مدينة بوجودها للمصادفة التي لم تقصدها المادة ولم تقصدها الحياة.
ولكن أصعب شيء على العقل أن يتصوره أن الخطأ هو مصدر كل خلق وكل حياة وكل فكر في هذا الوجود، وأنه هو الأصل الذي ترتد إليه جميع الأصول.
فليس من الصواب أن نبني كل شيء على الخطأ، وأن يكون التصحيح نفسه خطأ من أخطاء المصادفات! (2) الدين
وعلى أية حال يزعم شو أن التطور الخلاق صالح لأن يصبح ديانة جديدة لأبناء القرن العشرين.
وكما قيل عن المعري إنه سئل عن قرآنه فقال: اتركوه حتى تصقله الألسنة في المحاريب. كذلك يقول شو عن ديانته هذه: إنها لا تشيع بين جمهرة الناس حتى تنشأ حولها أساطيرها وأماثيلها ومعجزاتها، ولكنها مع هذا خير من الديانات العتيقة، وخير من الشكوكية، وخير من المادية العمياء، ومن مذهب داروين القديم والحديث.
على أن «شو» يحترم الديانات التي يسميها بالديانات العتيقة ، ويتكلم عن أنبياء الأمم بلهجة الإعجاب والتوقير، ويقول في مقدمة «مسرحياته السارة»: «هناك ديانة واحدة وإن تعددت منها مائة نسخة.»
وفي وصاياه التي سماها «دليل المرأة الذكية» ينصح الأمم أن تلقن طفلها سببا ما، يقنعه بالاستقامة في سلوكه حين لا يشعر بأحد يراقبه ويحصي عليه غلطاته، ولا ضرر من إيمان الطفل بهذا السبب ولو أنكره عقله بعد ذلك. قال يخاطب الأمم: «إنك إذا قلت للصغير إنك مسئول أمام نفسك عن الكلام بالصدق لم يشعر قط بهذا الالتزام، وإذا قلت له إن الكذب يجعل الناس ينبذون كلامك ولا يصدقونك فهذه أكذوبة صارخة تزعمينها؛ إذ تعلمين جيدا أن كثيرا من الأكاذيب تروج وتنجح، وأن المجتمع الإنساني لن يخلو من أكاذيب شتى يتداولها بنية حسنة.»
ثم مضى يعلم الأم الذكية أن تخويف الطفل من الله وتأميله في حسن رضاه أجدى من هذه الحيل جميعا في تربيته على الصدق والاستقامة.
وقال في مقدمة روايته «أندروكليز والأسد»: «إن الحكومة بغير دين مستحيلة ... وإن الرجل الذي يريد أن يعقل كل شيء يموت ولا أثر له ولا صيت بعده.»
Bilinmeyen sayfa