ومن هذه المقابلة بين مقدماته وفصوله ومساجلاته نستخلص مذاهبه في الفلسفة بأنواعها، وأولها فلسفته في المسائل الأبدية: مسائل الخلق والتكوين والفكرة الإلهية وما إليها من المباحث التي اصطلحنا على تسميتها بفلسفة «ما وراء الطبيعة». (1) فلسفة ما وراء الطبيعة
يتردد اسم الله كثيرا في كتابات شو على اختلاف موضوعاتها، ولكنه لا يؤمن بإله مطلق الإرادة، خالق لجميع الأشياء.
كذلك لا يؤمن بالمادية المطلقة، ولا يقول بأن الوجود كله مادة مسيطرة على الفكر والحياة.
بل يؤمن بقوة غير مادية يسميها «القوة الحيوية»، ويقول إنها تتطور بإرادتها، وإن المادة عدو لها في تطورها، وإن ارتقاء هذه القوة الحيوية في معارج الفكر إنما يأتي من طريق واحد، هو طريق الخطأ والتصحيح والتكرار والمثابرة، ولا نهاية للارتقاء الذي تبلغه الحياة من هذا الطريق، فإنها تسلكه وتتطلع في كل مرحلة من مراحله إلى القدرة المطلقة والعلم المطلق، وقد تبلغهما في زمن من الأزمان بعد الملايين التي لا تحصى من السنين.
قال على لسان برانكلن في روايته الكبرى «العود إلى متوشالح»: «إن التقدم إلى القدرة المطلقة والعلم المطلق، إلى قدرة أكبر وعلم أكبر، هو المسعى الذي ندأب عليه ولو جازفنا في سبيله بالحياة وكل ما فيها من متاع. والتطور هو المسعى كله ولا شيء غيره، إنه هو السبيل إلى الإلهية، وما يترقى الإنسان عن الجرثومة الضئيلة إلا بمقدار تقدمه في هذا السبيل.»
وأول خطوة من خطوات التطور عنده أن القوة الحيوية تلبست بالأجساد المادية؛ لتعمل وتستفيد من معاركة المادة وإملاء إرادتها عليها، فأصبحت القوة الحيوية أفرادا متفرقة بعد أن كانت جملة مجتمعة لا تفرق بين أجزائها.
وظهر «الفكر» وتقدم من علاج الإرادة الحية للمادة التي تقاومها وتعاديها.
فكل معالجة تتقرر فيها تجربة ثابتة، وكل تجربة ثابتة تجري مجرى العادة، وكل عادة تتجمع مع العادات الأخرى فتهتدي بها الحياة وتتعود التفكير.
ولكن المادة من طبعها أن تعوق الفكر وتصده عن الانطلاق بغير قيد ولا حائل، وينتهي هذا التعويق بتنبيه إرادة الحياة إلى طلب الخلاص من هذه العوائق واعتماد الحياة على «الفكر» المجرد مستقلا عن الأجسام، فلا تزال تطلب وتكرر الطلب، وتخطئ وتصحح الخطأ، وتثابر على الطلب والتصحيح حتى تبلغ ما تريد.
ويومئذ لا يبقى من هذه الأجساد الحية غير الفكر الحي المجرد المطلق من جميع القيود.
Bilinmeyen sayfa