قَالُوا جَمِيعًا: فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْمَأْمُون فِي كل يَوْم مُسلمين ولباسهم الثِّيَاب الْخضر، وَلم يكن أحد يدْخل عَلَيْهِ إِلَّا فِي خضرَة، وَلبس ذَلِك أهل بَغْدَاد أَجْمَعُونَ؛ وَكَانُوا يخرقون كل شَيْء رَأَوْهُ من السوَاد على أحد إِلَّا القلانس فَإِن الْوَاحِد بعد الْوَاحِد كَانَ يلبسهَا متخوفا ووجلا. فَأَما قبَاء أَو علم فَلم يكن أحد يجترئ أَن يلبس شَيْئا من ذَلِك، وَلَا يحملهُ. فَمَكَثُوا بذلك ثَمَانِيَة أَيَّام، وَتكلم فِيهَا بَنو هَاشم من ولد الْعَبَّاس خَاصَّة وَقَالُوا لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تركت لِبَاس أهل بَيْتك ودولتهم ولبست الخضرة.
قَالُوا وَكتب إِلَيْهِ فِي ذَلِك قواد أهل خُرَاسَان وَتكلم فِي ذَلِك دون النَّاس جَمِيعًا لما قدم طَاهِر بن الْحُسَيْن فأظهر لَهُ الْإِجَابَة وَلما يفعل، وَلما رأى طاعتهم لَهُ فِي لِبَاس الخضرة وكراهتهم لَهَا جلس يَوْم السبت وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر، فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده دَعَا بسواد فلبسه، ودعا بخلعة سَواد فكساها طَاهِر بن الْحُسَيْن، وخلع على عدَّة من قواده أقبية وقلانس سُودًا. فَلَمَّا خَرجُوا من عِنْده وَعَلَيْهِم السوَاد طرح سَائِر القواد الخضرة ولبسوا السوَاد.
وَقد كَانَ الْجند كتبُوا إِلَى الْمَأْمُون كتبا، وطرحوا رِقَاعًا فِي الْمَسْجِد يسألونه أَرْزَاقهم، وَكَانَ قد وعدهم أَن يعطيهم أرزاق سِتَّة أشهر وَيُحَاسب كل من أعطَاهُ حميد بن عبد الحميد من الْجند طَعَاما على مَا أَخذ وَيدْفَع إِلَيْهِم تَمام رزق سِتَّة أشهر على خواصهم الْمَعْرُوفَة.
قَالُوا: فَأَعْطَاهُمْ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس لسبع بَقينَ من صفر فَتَوَلّى أعطاء أهل الْجَانِب الغرب حميد، وَوَعدهمْ أَن يعطيهم رزق شَهْرَيْن لتَمام سِتَّة أشهر إِذا فرغ من إعطائهم هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَشْهر فرضوا بذلك.
قَالَ يحيى بن الْحسن: لبس الْمَأْمُون الخضرة بعد دُخُوله بَغْدَاد تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ مزقت.
قَالُوا جَمِيعًا: وَلم يزل أَمِير الْمُؤمنِينَ مُقيما بِبَغْدَاد فِي الرصافة حَتَّى بني منَازِل على شط دجلة عِنْد قصره الأول وَفِي بُسْتَان مُوسَى فَأَقَامَ فِيهِ.
1 / 10