بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
(ذكر خلَافَة عبد اللَّهِ بن هَارُون الرشيد الْمَأْمُون)
قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر: قد ذكرنَا من خبر مُحَمَّد، والمأمون وَمَا كَانَ من اخْتِلَافهمَا وَالْحَرب بَينهمَا إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ من مقتل مُحَمَّد بن هَارُون، وَالْحَرب الَّتِي كَانَت بَين مُحَمَّد بن أبي خَالِد، وَعِيسَى بن مُحَمَّد، وَالْحسن بن سهل إِلَى مخرج أبي السَّرَايَا، وَذكر إِبْرَاهِيم ابْن الْمهْدي إِلَى آخر حربهم وانقضائها وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ.
وابتدأنا بِخَبَر شخوص الْمَأْمُون إِلَى بَغْدَاد من خرا سان وَمَا كَانَ من أخباره بِبَغْدَاد إِلَى وَقت شخوصه عَنْهَا ووفاته
ذكر جمَاعَة من الروَاة مِنْهُم: إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي، وَأَبُو حسان الزيَادي وَابْن شبانة الْمروزِي فِيمَا حملُوا من كتب التَّارِيخ وَاتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَيْهِ: إِن دُخُول الْمَأْمُون بَغْدَاد مُقَدّمَة من خُرَاسَان كَانَ فِي يَوْم السبت ارْتِفَاع النَّهَار لَا ربع عشرَة لَيْلَة بقيت من صفر سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ لِبَاسه ولباس أَصْحَابه جَمِيعًا أقبيتهم، وَقَلَانِسِهِمْ، وطراداتهم، وأعلامهم الخضرة.
قَالُوا: فَلَمَّا قدم نزل الرصافة، وَقد كَانَ قبل ذَلِك قدم إِلَى النهروان يَوْم السبت فَأَقَامَ بِهِ ثَمَانِيَة أَيَّام وَخرج إِلَيْهِ أهل بَيته، ووجوه أهل بَغْدَاد فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت الآخر دخل إِلَى بَغْدَاد، وَكَانَ قد كتب إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن وَكَانَ بالرقة أَن يوافيه بالنهروان. فَقدم طَاهِر وَدخل عَلَيْهِ وَأمره أَن ينزل الخيزرانية هُوَ وأصحابة، ثمَّ أَنه تحول فَنزل قصره على شاطئ دجلة. وَأمر حميد بن عبد الحميد، وَعلي بن هِشَام وكل من كَانَ فِي عَسَاكِر هما أَن ينزلُوا فِي عسكره.
1 / 9
قَالُوا جَمِيعًا: فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْمَأْمُون فِي كل يَوْم مُسلمين ولباسهم الثِّيَاب الْخضر، وَلم يكن أحد يدْخل عَلَيْهِ إِلَّا فِي خضرَة، وَلبس ذَلِك أهل بَغْدَاد أَجْمَعُونَ؛ وَكَانُوا يخرقون كل شَيْء رَأَوْهُ من السوَاد على أحد إِلَّا القلانس فَإِن الْوَاحِد بعد الْوَاحِد كَانَ يلبسهَا متخوفا ووجلا. فَأَما قبَاء أَو علم فَلم يكن أحد يجترئ أَن يلبس شَيْئا من ذَلِك، وَلَا يحملهُ. فَمَكَثُوا بذلك ثَمَانِيَة أَيَّام، وَتكلم فِيهَا بَنو هَاشم من ولد الْعَبَّاس خَاصَّة وَقَالُوا لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تركت لِبَاس أهل بَيْتك ودولتهم ولبست الخضرة.
قَالُوا وَكتب إِلَيْهِ فِي ذَلِك قواد أهل خُرَاسَان وَتكلم فِي ذَلِك دون النَّاس جَمِيعًا لما قدم طَاهِر بن الْحُسَيْن فأظهر لَهُ الْإِجَابَة وَلما يفعل، وَلما رأى طاعتهم لَهُ فِي لِبَاس الخضرة وكراهتهم لَهَا جلس يَوْم السبت وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر، فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده دَعَا بسواد فلبسه، ودعا بخلعة سَواد فكساها طَاهِر بن الْحُسَيْن، وخلع على عدَّة من قواده أقبية وقلانس سُودًا. فَلَمَّا خَرجُوا من عِنْده وَعَلَيْهِم السوَاد طرح سَائِر القواد الخضرة ولبسوا السوَاد.
وَقد كَانَ الْجند كتبُوا إِلَى الْمَأْمُون كتبا، وطرحوا رِقَاعًا فِي الْمَسْجِد يسألونه أَرْزَاقهم، وَكَانَ قد وعدهم أَن يعطيهم أرزاق سِتَّة أشهر وَيُحَاسب كل من أعطَاهُ حميد بن عبد الحميد من الْجند طَعَاما على مَا أَخذ وَيدْفَع إِلَيْهِم تَمام رزق سِتَّة أشهر على خواصهم الْمَعْرُوفَة.
قَالُوا: فَأَعْطَاهُمْ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس لسبع بَقينَ من صفر فَتَوَلّى أعطاء أهل الْجَانِب الغرب حميد، وَوَعدهمْ أَن يعطيهم رزق شَهْرَيْن لتَمام سِتَّة أشهر إِذا فرغ من إعطائهم هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَشْهر فرضوا بذلك.
قَالَ يحيى بن الْحسن: لبس الْمَأْمُون الخضرة بعد دُخُوله بَغْدَاد تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ مزقت.
قَالُوا جَمِيعًا: وَلم يزل أَمِير الْمُؤمنِينَ مُقيما بِبَغْدَاد فِي الرصافة حَتَّى بني منَازِل على شط دجلة عِنْد قصره الأول وَفِي بُسْتَان مُوسَى فَأَقَامَ فِيهِ.
1 / 10
قَالُوا: وَلما كَانَ بعد دُخُول الْمَأْمُون بأيام وثب ابْن لإسحاق بن مُوسَى الْهَادِي يَوْم السبت لليلة بقيت من شهر ربيع الأول بِأَبِيهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي ولي عَهده من بعده هُوَ وَخصي لِأَبِيهِ إِسْحَاق بن مُوسَى فوجياه بسكين حَتَّى قتلاه، فأخذا فَأتي بهما الْمَأْمُون فَأمر بقتل الْخصي فَأَخذه عبد اللَّهِ بن مُوسَى فَقتله وَحبس الابْن. فَقَالَ أَخُوهُ إِسْحَاق: لَا نرضي حَتَّى يقتل مَعَ الْخصي. فَأمر بقتْله فَأَخذه عبد اللَّهِ بن مُوسَى فَضرب عُنُقه. وَكَانَ قَتله لَهما يَوْم الْأَحَد لَا نسلاخ شهر ربيع الآخر.
ذكر إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس الْكَاتِب، عَن عَمْرو بن مسْعدَة، وحَدثني سهل بن عُثْمَان قَالَ: حَدثنِي الْحسن بن النُّعْمَان. . قَالَ: حَدثنِي أَحْمد بن أبي خَالِد الْأَحول قَالَ: لما قدمنَا من خُرَاسَان مَعَ الْمَأْمُون فصرنا فِي عقبَة حلوان وَكنت زميله قَالَ لي الْمَأْمُون يَا أَحْمد: إِنِّي أجد رَائِحَة الْعرَاق. قَالَ: فأجبته بِغَيْر جَوَابه وَقلت لَهُ: مَا اخلقه. فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا جوابي وَلَكِنِّي أحسبك سَهَوْت أَو كنت مفكرا. قَالَ: قلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: فيمَ فَكرت؟ قَالَ قلت: فَكرت فِي هجومنا على بَغْدَاد وَلَيْسَ مَعنا إِلَّا خَمْسُونَ ألف دِرْهَم مَعَ فتْنَة غلبت على قُلُوب النَّاس واستعذبوها فَكيف يكون حَالنَا إِن هاج هائج أَو تحرّك متحرك؟
قَالَ: فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ قَالَ: صدقت يَا أَحْمد مَا أحسن مَا فَكرت وَلَكِنِّي أخْبرك: النَّاس على طَبَقَات ثَلَاث فِي هَذِه الْمَدِينَة يَعْنِي بَغْدَاد: ظَالِم ومظلوم، وَلَا ظَالِم وَلَا مظلوم. فَأَما الظَّالِم فَلَيْسَ يتَوَقَّع إِلَّا عَفَوْنَا وإمساكنا، وَأما الْمَظْلُوم فَلَيْسَ يتَوَقَّع أَن ينصف إِلَّا بِنَا. وَمن كَانَ لَا ظَالِما وَلَا مَظْلُوما فبيته يَسعهُ. فوَاللَّه مَا كَانَ إِلَّا كَمَال قَالَ.
وَذكر إِسْمَاعِيل بن أبي مُحَمَّد اليزيدي قَالَ: كُنَّا مَعَ الْمَأْمُون منصرفة من خُرَاسَان إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا دخل قرماسين أَقَامَ بهَا أَيَّامًا فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: هَذَا منزل طيب فَلَو أَقمت بهَا أَيَّامًا حَتَّى يَأْتِيك خبر إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي بِبَعْض مَا تحب. قَالَ: لَا وَالله قَالُوا: فأننا نتخوف أَن يكون دِمَاء فَتكون هَاهُنَا حَتَّى يقْضِي اللَّهِ من أمره مَا يقْضِي. قَالَ:
1 / 11
أتري إِن شم إِبْرَاهِيم ريحى يقدم على. لَا وَالله مَا ذَاك ظَنِّي بِهِ. قَالَ: وارتحل فَمَا بلغنَا حلوان حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَر بِأَنَّهُ قد أختفي.
وَذكر عَمْرو بن مسْعدَة قَالَ: لما صَار الْمَأْمُون إِلَى الرّيّ منصرفة إِلَى الْعرَاق ذكر عَليّ بن صَالح صَاحب الْمُصَلِّي إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَكَانَ لَهُ صديقا. فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: رجل من أهلك ركب عَظِيمَة وَجَاء شَيْئا إدا، وَقد آمَنت الْأَحْمَر وَالْأسود فَأن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَخُصُّهُ بِأَمَان يسمه بِهِ فَإِن عفوا اللَّهِ لَك بازاء عفوك عَنهُ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت شهيدي أَنِّي قد عَفَوْت عَن الْأَحْمَر وَالْأسود، وأعطيتهم أمانك وذمتك وخصصت بذلك إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وعممت النَّاس كلهم حَتَّى ابْن دُحَيْم الْمدنِي، وسعيدا الْخَطِيب. قَالَ: وَكَانَ ابْن دُحَيْم هَذَا يصعد مِنْبَر الْمَدِينَة وَلَا يدع من قَول الْقَبِيح شَيْئا إِلَّا ذكر بِهِ الْمَأْمُون.
وحَدثني الْفضل بن مُحَمَّد الْعلوِي قَالَ: لما قدم الْمَأْمُون تَلقاهُ عبد اللَّهِ بن الْعَبَّاس ابْن الْحسن بن عبيد اللَّهِ بن الْعَبَّاس بن عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: جعل اللَّهِ قدومك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مِفْتَاح رَحْمَة لَك، وَلمن قدمت عَلَيْهِ من رعيتك، فقد اشرقت الْبِلَاد حِين حللت بهَا، وآنس اللَّهِ بقربك أَهلهَا، ونصبت الرّعية إِلَيْك أعينها، ومدت إِلَى اللَّهِ فِيك وَلَك أيديها، لتصيب من مقدمك عدلا يُحْيِيهَا، وَمن نيل يدك فضلا يغنيها.
وَذكر عَمْرو بن مسْعدَة قَالَ ك لما قدم الْمَأْمُون بَغْدَاد أهدي إِلَيْهِ الْفضل بن الرّبيع فص ياقوت لم ير مثله. قَالَ: واحب الْمَأْمُون الفص وَجعل يقلبه فِي يَده وَينظر إِلَى وبيصة، ويحوله من يَد إِلَى يَد وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَتى رَأَيْت فصا أحسن من هَذَا؟ . قَالَ: وَأَنْشَأَ يحدث الْقَوْم الحَدِيث عَن فص كَانَ للمهدي وهبه للرشيد. فَقَالَ: كَانَ أَبُو مُسلم وَجه زِيَاد بن صَالح إِلَى الصين فَبعث إِلَيْهِ بِهَذَا الفص فَصَارَ إِلَى أبي الْعَبَّاس، فوهبه إِلَى عبد اللَّهِ بن عَليّ، فوهبه عبد اللَّهِ بن عَليّ للمهدي، فوهبه الْمهْدي للرشيد. فَبينا الرشيد يناظر يحيى بن خَالِد يَوْمًا فِي قَوس جلا هق إِذْ ندر الفص من يَده فكرر الْموضع فَلم ير لَهُ عين وَلَا أثر فأغتنم الرشيد لذهابه. فَقيل لَهُ أَن صَالحا
1 / 12
صَاحب الْمُصَلِّي اشْترى فصا من عون الْعَبَّادِيّ بِعشْرين ألف دِينَار لَيْسَ لأحد مثله فَوجه إِلَيْهِ فَبعث بِهِ. فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: وَأَيْنَ هَذَا من فصي. قَالَ: ثمَّ قَالَ الْمَأْمُون: أما وَالله لأضعن من قدر هَذِه الْحِجَارَة الَّتِي لَا معنى لَهَا ورد الفص على الْفضل وَقَالَ لرَسُوله: قل لَهُ وهبت دولتك يَا أَبَا الْعَبَّاس. فَلَمَّا رَجَعَ الفص إِلَى الْفضل أغتم وَقَالَ لرجل من بطانته: أما إِنَّه لَا يعِيش من يَوْمه هَذَا إِلَّا أقل من سنة. فَمَا أَمْسَى الْمَأْمُون حَتَّى أَتَاهُ الْخَبَر بهَا. قَالَ: قَالَ: فَسكت عَنهُ وَلم يخبر بِهِ أحدا. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ الْعَبَّاس بن الْمسيب وَكَانَ صَاحب شرطته ركب الْمَأْمُون فِي جنَازَته فَعرض لَهُ بعض أَوْلَاد الْفضل بن الرّبيع وَهُوَ بِبَاب الشَّام. فَدَعَا لَهُ وانتسب فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: أدن. فَدَنَا. ثمَّ قَالَ لَهُ: أدن. فَدَنَا. حَتَّى قرب من ركابه فأدني مِنْهُ رَأسه كَأَنَّهُ يسر إِلَيْهِ وَقَالَ: إعلم أَبَا الْعَبَّاس أَن الْوَقْت قد مضى. قَالَ: فَرجع الْفَتى إِلَى الْفضل فَأخْبرهُ. فَلم يزل على حذر مِنْهُ أَن يحقدها عَلَيْهِ.
وَذكر عَن عَمْرو بن مسْعدَة قَالَ: اسْتقْبل الْمَأْمُون فِي منصرفة من خُرَاسَان الطالبيون بِبَعْض طَرِيقه وَاعْتَذَرُوا مِمَّا كَانَ مِنْهُم من الْخُرُوج. فَقَالَ الْمَأْمُون لمتكلمهم: كف واستمع مني. أولنا وأولكم مَا تَعْمَلُونَ، وآخرنا وآخركم إِلَى مَا ترَوْنَ، وتناسوا مَا بَين هذَيْن.
قَالَ ابْن أبي طَاهِر: لما دخل الْمَأْمُون مَدِينَة السَّلَام تَلَقَّتْهُ الْأَنْصَار فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي شدّ بك الْحق وردك إِلَى دَارك مدفوعا عَنْك - مستجابا لنا فِيك - فَأَنت كَمَا قَالَ ابْن عمنَا حسان فِي ابْن عمك رَسُول الله ﷺ َ - يَوْم دخل الْمَدِينَة:
(وَكُنَّا حِين تذكر مِنْك نعمي ... يجل الْوَصْف عَن وصف الْمقَال)
(بِحَمْد اللَّهِ حِين حللت فِينَا ... بنورك نجتلي ظلم الضلال)
(وَكنت كَرَامَة نزلت علينا ... بِأَسْعَد طَائِر وبخير حَال)
1 / 13
قَالَ: أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن الْحسن بن عبد الْحق: كَانَ قدوم الْمَأْمُون بَغْدَاد فِي النّصْف من ربيع الأول سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ، وَدخل بَغْدَاد من بَاب خُرَاسَان والحربة بَين يَدَيْهِ فِي يَد مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن الْمسيب بن زُهَيْر وَكَانَ خَليفَة لِأَبِيهِ على الحربة وَالْعَبَّاس بن الْمسيب بن زُهَيْر وَرَاء ابْنه، وَكَانَ منقرسا بَين يَدي الْمَأْمُون.
وَذكر يحيى بن الْحسن بن عبد الْخَالِق، عَن عَليّ بن أبي سعيد أَنه حَدثهُ قَالَ: لَقِي الْفضل بن الرّبيع طَاهِر بن الْحُسَيْن عِنْد دُخُول الْمَأْمُون بَغْدَاد فثني عنانه مَعَه وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الطّيب. مَا ثنيت عناني مَعَ أحد قطّ قبلك إِلَّا مَعَ خَليفَة ولي حَاجَة. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الرضاء عني وتعجل ذَلِك. قَالَ: فَمضى طَاهِر من فوره ذَلِك وكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهِ فَأمره بِإِدْخَال الْفضل عَلَيْهِ قَالَ: فَقَالَ طَاهِر: فأدخلته حاسرا لَا سيف عَلَيْهِ، وَلَا طيلسان، وَلَا قلنسوة. فَلَمَّا توَسط الدَّار وثب الْمَأْمُون عَن عَرْشه فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ قبل أَن يسلم عَلَيْهِ بالخلافة. فَقَالَ: أَتَدْرِي لم صليت يَا فضل؟ . فَقَالَ: لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: شكرا لله إِذْ رَزَقَنِي الْعَفو عَنْك، قد كلمني أَبُو الطّيب فِيك وَقد عَفَوْت عَنْك. قَالَ: فَقَالَ الْفضل: فلي حَاجَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: مَا هِيَ؟ . قَالَ: الرضاء. قَالَ أجل لَا يكون الْعَفو إِلَّا مَعَ الرضاء. قَالَ: أُخْرَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تجْعَل لي مرتبَة فِي الدَّار. قَالَ: عجلت يَا فضل أخرج فَخرج. قَالَ: وَقَالَ لَهُ يَوْمًا وَقد دخل عَلَيْهِ: أَخْبرنِي يَا فضل عَن شتمك إيَّايَ، ومقاماتك الَّتِي كنت تقوم بهَا على وتثلبني بهَا كَيفَ أمنت أَن أسْرع إِلَى غضبة من الغضبات فأفعل فعلا أندم عَلَيْهِ حِين لَا تَنْفَع الندامة. قَالَ. فأنشده لبَعض الشُّعَرَاء فِيهِ.
(صفوح عَن الأجرام حَتَّى كَأَنَّهُ ... من الْعَفو لم يعرف من النَّاس مجر مَا)
(وَلَيْسَ يُبَالِي أَن يكون بِهِ الأذي ... إِذا مَا الأذي لم يغش بالكره مُسلما)
قَالَ عبد اللَّهِ بن عَمْرو. حَدثنِي جَعْفَر بن الْمَأْمُون قَالَ: لما دخل الْمَأْمُون بَغْدَاد لقِيه الْفضل بن الرّبيع مَعَ طَاهِر فَلَمَّا رأى الْفضل نزل من قُبَّته وَكَانَ عديله على بن هِشَام وَمر يعدو حَتَّى سجد. فَقَالَ الْمَأْمُون: الْحَمد لله قَدِيما مَا كنت أسلم عَلَيْهِ
1 / 14
فَأَفْرَح برده فسبحان الَّذِي الهمني الصفح عَنهُ فَلذَلِك سجدت. قَالَ: فَقَالَ طَاهِر: فعجبت لسعة حلمه.
وَذكر زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ: لما كَانَ فِي الْعِيد بعد قدوم الْمَأْمُون سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ والمأمون يتغدي وعَلى مائدته طَاهِر بن الْحُسَيْن، وَسَعِيد بن سلم، وَحميد بن عبد الحميد، وعَلى رَأسه سعيد الْخَطِيب وَهُوَ يقرظه وَيذكر مناقبه، ويصف سيرته ومجلسه إِذا أنهملت عينا الْمَأْمُون بالدموع فَرفع يَده عَن الطَّعَام فَأمْسك الْقَوْم حِين رَأَوْهُ بِتِلْكَ الْحَال حَتَّى إِذا كف قَالَ لَهُم: كلوا. قَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهل نسيغ طَعَاما، أَو شرابًا وَسَيِّدنَا بِهَذَا الْحَال. قَالَ: أما وَالله مَا ذَلِك من حدث، وَلَا لمكروه هَمَمْت بِهِ بِأحد وَلكنه جنس من أَجنَاس الشُّكْر لله لعظمته وَذكر نعْمَته الَّتِي أتمهَا على كَمَا أتمهَا على أَبَوي من قبل. أما ترَوْنَ ذَاك الَّذِي فِي صحن الدَّار يَعْنِي الْفضل بن الرّبيع. قَالَ: وَكَانَت الستور قد رفعت وَوضعت الموائد للنَّاس على مَرَاتِبهمْ وَكَانَ يجلس الْفضل مَعَ أَصْحَاب الحرس، وَكَانَ فِي أَيَّام الرشيد وحاله حَاله يراني بِوَجْه أعرف فِيهِ الْبغضَاء والشنآن، وَكَانَ لَهُ عِنْدِي كَالَّذي لي عِنْده، وَلَكِنِّي كنت ادارية خوفًا من سعايته، وحذرا من اكاذيبه، فَكنت إِذا سلمت عَلَيْهِ فَرد على أظل لذَلِك فَرحا، وَبِه مبتهجا وَكَانَ صَفوه إِلَى المخلوع فَحَمله على أَن أغراه بِي، وَدعَاهُ إِلَى قَتْلِي، وحرك الآخر مَا يُحَرك الْقَرَابَة وَالرحم الماسة فَقَالَ: أما الْقَتْل فَلَا اقتله وَلَكِنِّي اجْعَلْهُ بِحَيْثُ إِذا قَالَ لم يطع، وَإِذا دَعَا لم يجب فَكَانَ أحسن حالاتي عِنْده أَن وَجه مَعَ عَليّ بن عِيسَى قيد فضَّة بعد مَا تنازعنا فِي الْفضة وَالْحَدِيد ليقيدني بِهِ وَذهب عَنهُ قَول اللَّهِ جلّ وَعز: ﴿ثمَّ من بغي عَلَيْهِ لينصرنه اللَّهِ﴾ فَذَاك مَوْضِعه من الدَّار باخس مجالسها، وأدني مراتبها وَهَذَا الْخَطِيب على رَأْسِي وَكَانَ بالْأَمْس يقف على هَذَا الْمِنْبَر الَّذِي بإزائي مرّة، وعَلى الْمِنْبَر الغربي أُخْرَى فيزعم أَنِّي الْمَأْمُون وَلست بالمأمون. ثمَّ هُوَ السَّاعَة يقرظني تقريظة الْمَسِيح، ومحمدا
1 / 15
﵉. قَالَ: فَقَالَ طَاهِر بن الْحُسَيْن يَا سيدنَا. فَمَا عندنَا فيهمَا، وَقد أباحك اللَّهِ أراقه دمائهما فحصنتهما بِالْعَفو والحلم. قَالَ: فعلت ذَلِك لموْضِع الْعَفو من اللَّهِ ثمَّ قَالَ: مدوا أَيْدِيكُم إِلَى طَعَامكُمْ قَالَ: فَأكل وأكلوا.
حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق بن برصوما. قَالَ: حَدثنِي أَيُّوب بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان قَالَ: كُنَّا مَعَ الْمَأْمُون بعد مقدمه بَغْدَاد بأشهر يَوْمًا وَهُوَ رَاكب وَالْفضل بن الرّبيع وَاقِف لَهُ على مدرجته فرميناه بِأَبْصَارِنَا نَنْظُر مَا يكون مِنْهُ. قَالَ: فَمر طَاهِر وَمَعَهُ الحربة بَين يَدي الْمَأْمُون: فَنظر الْمَأْمُون إِلَى الْفضل بن الرّبيع وَصرف وَجهه عَنهُ. ثمَّ أقبل الْعَجم مَعَهم القسي والنشاب وطلع الْمَأْمُون ينظر إِلَى الْفضل بمؤخر عينه مصروفا عَنهُ وَجهه. قَالَ /: فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعَجم كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَن ينحوه بعنف فَأقبل الْمَأْمُون يَكفهمْ بِيَدِهِ وَوَجهه محول عَنهُ:
قَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق. وحَدثني: بشر السَّلمَانِي. قَالَ: سَمِعت أَحْمد بن أبي خَالِد يَقُول: كَانَ الْمَأْمُون إِذا أمرنَا بِأَمْر فَظهر من أَحَدنَا فِيهِ تَقْصِير يَقُول: أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا عرف رجلا ببابي لَو قلدته أموري كلهَا لقام بهَا. قَالَ بشر: فَقلت لِأَحْمَد ابْن أبي خَالِد: يَا أَبَا الْعَبَّاس من يَعْنِي؟ قَالَ: الْفضل بن الرّبيع.
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي رجل مِمَّن كَانَ يدْخل الدَّار ذهب عني اسْمه. قَالَ: لما أذن الْمَأْمُون للفضل بن الرّبيع فِي لبس السوَاد وَمنعه من الرّكُوب بِسيف حمائل. فَكَانَ يلبس سَيْفا بمعاليق. قَالَ: فَأَنا ذَات يَوْم فِي الدَّار إِذْ جَاءَ الْفضل فَوقف على الْبَاب الْخَارِج وَدخل عَليّ بن صَالح وَهُوَ الْحَاجِب فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْفضل بن الرّبيع بِالْبَابِ، فِي أَي الْمَرَاتِب أنزلهُ؟ قَالَ: فِي أخسها. قَالَ: فَخرج إِلَيْهِ على مَاشِيا إِلَى الْبَاب الْخَارِج فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاس: أنزل فَهَذِهِ مرتبتك. قَالَ: فَجَلَسَ وَجَلَست قَرِيبا مِنْهُ. وَقَامَ الْمَأْمُون فَدخل فَلم يمر بِالْفَضْلِ أحد من بني هَاشم والقواد إِلَّا جلس إِلَيْهِ فَكَانَ آخر من جَاءَ حميد الطوسي فَلم يزل الْفضل يحضر الدَّار كل اثْنَيْنِ وكل خَمِيس فيجلس على الْبسَاط فَإِذا انْصَرف النَّاس قعدوا لَهُ. فَأَنا ذَات يَوْم
1 / 16
عِنْده إِذا جَاءَ السندي بن شاهك آخر من جَاءَ. فَقَالَ الْفضل بِيَدِهِ مَا الْخَبَر؟ . وَكَانَ السندي بن شاهك جَهورِي الصَّوْت لَا يقدر أَن يتَكَلَّم سرا. قَالَ: خبر عَجِيب قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: سمعته الْيَوْم قدم على بن أبي طَالب على الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَمَا ظَنَنْت أَنِّي أعيش حَتَّى أسمع عباسيا يَقُول هَذَا. فَقَالَ لَهُ الْفضل: تعجب من هَذَا؟ هَذَا وَالله كَانَ قَول أَبِيه قبله.
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن إِسْحَاق: وَأول غضب الْمَأْمُون على الْفضل أَن الرشيد كَانَ أوصى الْفضل بن الرّبيع إِن حدث بِهِ حدث أَن يَجْعَل خزائنه، وأمواله وسلاحه، وَجَمِيع عَسْكَر إِلَى الْمَأْمُون، فَلَمَّا توفّي الرشيد حمل ذَلِك كُله إِلَى مُحَمَّد. وحَدثني الْحسن بن عبد الْخَالِق قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي عَوْف وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَليّ بن صَالح قَالَ: حضرت عَليّ بن صَالح عَشِيَّة فِي أول مدْخل الْمَأْمُون بَغْدَاد فجَاء آذنه فَقَالَ لَهُ: بِالْبَابِ أَبُو الْقَاسِم اللهبي؛ وَمُحَمّد بن عبد اللَّهِ العثماني، وَمصْعَب ابْن عبد اللَّهِ الزبيرِي قَالَ: فأئذن لأبي الْقَاسِم اللهبي فَدخل فأجلسه فِي صدر مَجْلِسه. ثمَّ إِذن للعثماني والزبيري فَأقْعدَ العثماني عَن يَمِينه، والزبيري عَن يسَاره ثمَّ تحدثُوا فَذكرُوا الْفضل بن الرّبيع. فَقَالَ اللهبي: أحسن اللَّهِ جَزَاء الْفضل عَنَّا فقد كَانَ برا بِنَا، وَقَالَ العثماني: كَانَ وَالله مَا علمنَا قَضَاء لحوائجنا عَارِفًا بإقدارنا، مُوجبا لحقوقنا وَقَالَ الزبيرِي: لقد كَانَت يَده عندنَا وَعند آبَائِنَا. فَقَالَ عَليّ بن صَالح: أما إِذا ذكرْتُمْ ذَلِك فَأَنِّي كنت عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ أعزه اللَّهِ أمس فَقَالَ لي يَا عَليّ: مَتى عَهْدك بصديقك؟ قَالَ: فَقلت أَطَالَ اللَّهِ بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ صديقي كثير فَعَن أَيهمْ يسألني أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: عَن الْفضل بن الرّبيع. قَالَ: قلت أمس الأدني وجد عِلّة فِي يَوْمه فَأَتَيْته عَائِدًا. قَالَ: وَلم تأته إِلَّا فِي يَوْم علته؟ قَالَ قلت: كَذَا عودته. قَالَ: فَكَأَنِّي إِذا جلس الْآن وَجَلَست أَنْت وَسَعِيد بن سلم، وَعبد اللَّهِ بن مَالك وَجعل وسَادَة على رُكْبَتَيْهِ ثمَّ قَالَ: وَقد وضع يَدَيْهِ عَلَيْهَا قَالَ لي الْمَنْصُور وَقلت لَهُ فَأَما الرشيد فَلَا يحْتَاج إِلَى كَلَام فِيهِ قلت: أدني ذَلِك أمس مَا زَالَ يحدثنا عَن الْمَنْصُور
1 / 17
أ
وَعَن مَكَانَهُ وَمَكَان أَبِيه مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: مَا أعجب أُمُور الْخُلَفَاء يَنْبُتُونَ الرجل ثمَّ يخطؤنه فَلَا يبقون غَايَة من الْأُمُور الا بلغوه إِيَّاهَا فِي مِقْدَار قريب. قَالَ ثمَّ أمسك وَأَمْسَكت ثمَّ قَالَ: يَا عَليّ كَأَنِّي فِي نَفسك السَّاعَة تَقول كَيفَ أخطيت الْفضل بن الرّبيع؟ نعم. كَانَ يدبر الْخَطَأ فَيَقَع صَوَابا، وَيبْعَث بالجيش الضَّعِيف فَيَقَع بِهِ النَّصْر وادبر أَنا فَيَقَع بِغَيْر ذَلِك، فَلَمَّا وقفت على البصيرة من أَمْرِي، وفكرت فِي نَفسِي، وعملت بالاحزم فِي ذَلِك ملت إِلَى الحزم فوردت الْعرَاق، وَإِن الْفضل ابْن الرّبيع بَقِيَّة الموَالِي فَلَا تخبره بذلك عني فَإِنِّي أكره أَن يبلغهُ عني مَا يسره.
وحَدثني يحيى بن الْحسن قَالَ: كَانَ على بن صَالح إِذا جَاءَهُ خبر يسره من قبل الْمَأْمُون فِي الْفضل قَالَ الخادمة يسر: قل لنجاح خَادِم الْفضل كَذَا. وَكَذَا. لِئَلَّا يَحْنَث إِن وَقعت يَمِين.
وحَدثني: يحيى بن الْحسن قَالَ: كَانَ الْفضل يَقُول فِي أَيَّام الْمَأْمُون: مَا بَقِي لي من عَقْلِي أحب إِلَيّ مِمَّا ذهب من مَالِي. قَالَ: وَأَخْبرنِي أَبُو الْحسن بن عبد الْخَالِق قَالَ: كَانَ الْفضل يَقُول: لَا يسود الرجل حَتَّى يشْتم، ويعرض، ويحلم. وحَدثني يحيى بن الْحسن قَالَ: رَأَيْت الْفضل بن الرّبيع وَقد دخل الْمَقْصُورَة يَوْم الْجُمُعَة أَيَّام الْمَأْمُون فَقدم دَابَّته حَيْثُ خرج فَوق مرتبته. فَقَالَ يَا غُلَام: أردد الدَّابَّة لست أركب من هَا هُنَا.
وحَدثني يحيى. قَالَ: حَدثنِي أَبُو الْحسن بن عبد الْخَالِق قَالَ: كنت عِنْد الْفضل ابْن الرّبيع ذَات عَشِيَّة فِي أَيَّام الْمَأْمُون وَهُوَ فِي منظرته الَّتِي تشرع إِلَى الميدان وَمَعَهُ فِي مجْلِس المنظرة امْرَأَة تحدثه لَا أدرى من هِيَ وَهُوَ مقبل عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الدَّار الَّذِي حوله الْمَأْمُون إِلَيْهَا وَهِي دَار الْعَبَّاس ابْنه وَكَانَ يُؤَدِّي عَنْهَا ألفا فِي الشَّهْر إِذْ دخل عَلَيْهِ أَبُو حَلِيم خادمة فَقَالَ: أَبُو الْعَتَاهِيَة بِالْبَابِ. قَالَ: أدخلهُ. قَالَ: فَدخل فحادثه سَاعَة ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاق فِي قَلْبك من عتبَة شَيْء؟ قَالَ ذهب ذَاك وَخرج قَالَ: فَبَقيت مِنْهُ بَاقِيَة؟ قَالَ لَا وَالله. قَالَ: فَهَذِهِ وَالله عتبَة. قَالَ: فَنظر إِلَيْهَا وَخرج
1 / 18
يعدو وَترك نَعْلَيْه.
حَدثنِي أَحْمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مَيْمُون قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: لما قدم الْمَأْمُون بَغْدَاد بعثت أم جَعْفَر إِلَى أبي الْعَتَاهِيَة أحب أَن تَقول أبياتا تعطف بهَا أَمِير الْمُؤمنِينَ على فَبعث إِلَيْهَا بِهَذِهِ الأبيات: -
(أَلا إِن ريب الدَّهْر يدني وَيبعد ... وَيُؤْنس بالألاف طورا ويفقد)
(أَصَابَت لريب الدَّهْر مني يَدي يَدي ... فَسلمت للأقدار وَالله أَحْمد)
(وَقلت لريب الدَّهْر إِن ذهبت يَد ... فقد بقيت وَالله يَا دهر لي يَد)
(إِذا بَقِي الْمَأْمُون لي فالرشيد لي ... ولي جَعْفَر لم يفقدا وَمُحَمّد)
قَالَ: فَبعثت بهَا لى الْمَأْمُون فَلَمَّا قَرَأَهَا بَكَى وَزَاد فِي ألطافها ورق لَهَا وَعطف عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَصْحَاب التَّارِيخ: لما دخل الْمَأْمُون بَغْدَاد أَقَامَ بالرصافة إِلَى أَن بنى منزله على شط دجلة عِنْد قصره الأول فأنتقل إِلَيْهِ، وَكَانَ يسْأَل عَن أُمُور النَّاس وَمَا يصلحها، فَرفع إِلَيْهِ فِي شهر رَمَضَان أَن التُّجَّار يعتدون على ضعفاء النَّاس فِي الْكَيْل فَأمر بغفيز يسع ثَمَان مكاكيك سرد مُرْسل وصير فِي وَسطه عمودا وَسمي الملجم وَأمر التُّجَّار يعيروا مكاكيكهم عَلَيْهَا صغارها وكبارها فَفَعَلُوا ذَلِك وَرَضي النَّاس
قَالَ: وَلما كَانَ يَوْم الْفطر خرج فصلى بِالنَّاسِ فِي عيساباذ وعبأ الْجند تعبئة لم ير مثلهَا قبل ذَلِك لأحد من الْخُلَفَاء من إِظْهَار السِّلَاح وكثرته وَكَثْرَة الْجند وَلم يصل بِالنَّاسِ صَلَاة الْعِيد حَتَّى قرب نصف النَّهَار.
وَذكر: أَبُو حسان الزيَادي وَغَيره من أَصْحَاب الاخبار أَنه ولي مَكَّة وَالْمَدينَة فِي سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ عبد اللَّهِ بن الْحسن بن عبيد اللَّهِ بن الْعَبَّاس بن عَليّ بن أبي طَالب عِنْد قدومه بَغْدَاد. فَلَمَّا حضر الْمَوْسِم كتب إِلَيْهِ بِالْولَايَةِ على الْمَوْسِم وَأَن يُقيم الْحَج بِالنَّاسِ.
1 / 19
قَالُوا: وَلما دخلت سنة خمس وَمِائَتَيْنِ ولي أَمِير الْمُؤمنِينَ طَاهِر بن الْحُسَيْن الجزيرة وَالشّرط والجانبين وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْأَحَد وَقعد طَاهِر للنَّاس من عين الْيَوْم الَّذِي ولي فِيهِ وَكَانَ يَوْم عَاشُورَاء.
فَحَدثني يحيى بن الْحسن بن عبد الْخَالِق قَالَ: لما انْقَضتْ سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وعَلى شرطة الْمَأْمُون الْعَبَّاس بن الْمسيب بن زُهَيْر وَكَانَ منقرسا. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: قد كَبرت وثقلت عَن حمل الحربة. قَالَ: فَهَذَا ابْني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَكَاني وَهِي صناعتي وصناعة أبي. وَقد علمت أَن الرشيد يتبرك بِحمْل الحربة فِي يَد الْمسيب وَنحن أَهلهَا قَالَ: فقد رَأَيْت تَوْلِيَة طَاهِر. قَالَ: فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أفضل وأصوب. قَالَ: فولي طَاهِر بن الْحُسَيْن.
وَقَالَ يحيى: فَكتب طَاهِر إِلَى الْفضل بن الرّبيع وَكَانَ بَينهمَا صداقة: إِن فِي رَأْيك الْبركَة، وَفِي مشورتك الصَّوَاب فَإِن رَأَيْت تخْتَار لي رجلَيْنِ للجسر. فَكتب إِلَيْهِ: قد وجدتهما لَك وهما: خِيَار السندي بن يحيى وَعَيَّاش بن الْقَاسِم فولاهما الجسرين
قَالَ: وَكَانَ الْمَأْمُون فِي الْيَوْم الَّذِي ولي طَاهِرا فِيهِ الشرطة قد ولي جمَاعَة من الهاشميين كور الشأم كورة. كورة فَلم يتم لَاحَدَّ مِنْهُم شَيْء من ولَايَته حَتَّى انْقَضتْ السّنة.
قَالَ يحيى البوشنجي الْقصير حَاجِب ذِي اليمينين طَاهِر بن الْحُسَيْن قَالَ: لما ولي طَاهِر بن الْحُسَيْن الشرطة رفع إِلَيْهِ أَن فِي الْحَبْس رجلا تنصر فَأمر يحيى هَذَا أَن يحمل السَّيْف والنطع وَيَأْتِي بِهِ دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مَجْلِسه، ثمَّ أَتَى دَار الْمُؤمنِينَ فَدَعَا بِالرجلِ فَقَالَ: يَا عَدو اللَّهِ تنصرت بعد الاسلام؟ قَالَ: اصلح اللَّهِ الْأَمِير وَالله مَا تنصرت وَمَا أَنا إِلَّا مُسلم ابْن مُسلم وَلَكِن حبست فِي كسَاء بِدِرْهَمَيْنِ سنتَيْن فَلَمَّا رَأَيْت أَمْرِي قد طَال وَلَيْسَ لي مُذَكّر يذكرنِي قلت إِنِّي مصر إِنِّي وَأَنت أَيهَا الْأَمِير مصراني وَهَذَا مصراني وَأَنا رجل من أَصْحَابك أَيهَا الْأَمِير. فَكبر طَاهِر وَدخل على الْمَأْمُون فَأخْبرهُ الْخَبَر وَأمر أَن يُوهب لَهُ ثلثمِائة دِرْهَم وَأَن يخلى سَبيله فَأمر طَاهِر بذلك.
1 / 20
فَقَالَ الرجل: لَا وَالله أَيهَا الْأَمِير مَا أقدر أَن أَمْشِي فَادع لي بِحِمَار فَدَعَا لَهُ بِحِمَار وخلي سَبيله.
وَذكر أَبُو حسان الزيَادي: أَن الْعَبَّاس بن عبد اللَّهِ الْمَأْمُون قدم من خُرَاسَان فِي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ دُخُوله بَغْدَاد يَوْم الْخَمِيس لَا ربع عشرَة لَيْلَة بَقينَ من شعْبَان وَقدم مَعَه من خُرَاسَان مُوسَى وَعبد اللَّهِ ابْنا مُحَمَّد المخلوع فِي ذَلِك الْيَوْم واستقبله وُجُوه النَّاس من بني هَاشم والقواد حَتَّى دخل على أَمِير الْمُؤمنِينَ.
حَدثنَا أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن الْحسن قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس ابْن مُحَمَّد قَالَ: دخل طَاهِر بن الْحُسَيْن على الْمَأْمُون وَعِنْده عبد اللَّهِ بن مُوسَى الْهَادِي فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: مرْحَبًا بك يَا ذَا اليمينين. فَقَالَ لَهُ عبد اللَّهِ بن مُوسَى: وَالله مَا جعله اللَّهِ أَهلا لعينين فَكيف يمينين. فَقَالَ لَهُ طَاهِر: لَكِن اللَّهِ جعل لامك زَوْجَيْنِ. قَالَ وَيلك تعيرني بخليفتين. قَالَ: فَأمر الْمَأْمُون بِعَبْد اللَّهِ بن مُوسَى فأقيم وَكَانَت أم عبد اللَّهِ أمة الْعَزِيز أم ولد مُوسَى الْهَادِي ثمَّ تزَوجهَا هَارُون الرشيد. قَالَ: وَقَالَ بعض أَصْحَاب الْمَأْمُون يَوْمًا فِي سنة خمس وَمِائَتَيْنِ وَقد خرج إِلَى منتزه لَهُ وَمَعَهُ طَاهِر بن الْحُسَيْن فَبينا هُوَ يسايره إِذْ قَالَ لَهُ يَا أَبَا الطّيب: مَا أطول صُحْبَة هَذَا البرذون لَك؟ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: بركَة الدَّابَّة طول صحبتهَا، وَقلة عَلفهَا قَالَ فَكيف سيره؟ . قَالَ سيره أَمَامه، وَسَوْطه عنانه وَمَا ضرب قطّ إِلَّا ظلما.
حَدثنِي الْفضل بن مُحَمَّد الْعلوِي قَالَ: قَالَ عبيد اللَّهِ بن الْحسن لِلْمَأْمُونِ لما دخل بَغْدَاد وطاهر يُسَايِر الْمَأْمُون، ملأك اللَّهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ النِّعْمَة - وَجعله مقدم سَلامَة، وأدام لَك الْعِزّ والسلامة - وَالْحَمْد لله الَّذِي تلاقا نَا عِنْد ظُهُور الْفِتْنَة وشمولها - وتراخي دَارنَا عَنْك واغترابها - بِذِي اليمينين صنيعتك - وسيفك المسلول على أهل معصيتك - فجمعنا على طَاعَتك - حَتَّى أَنا بِحَمْد اللَّهِ من عِنْد أخرانا كالنبال المطرورة نصالها - المقومة صعارها - إِن نقرتها حنت لَك وَإِن أزللتها - عَن كبد قوسك شكت عَدوك - فنسأل اللَّهِ أَن يحسن جزاءك - عَنَّا -
1 / 21
وجزاؤه على مَا حفظ فِينَا - من غيبك - وَركب منا من منهجك وقصدك. قَالَ: وَقَالَ الْمَأْمُون لطاهر بن الْحُسَيْن يَا أَبَا الطّيب صف لي أَخْلَاق المخلوع. قَالَ: كَانَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَاسع الطَّرب، ضيق الْأَدَب، يُبِيح نَفسه مَا تعافاه همم ذَوي الأقدار، قَالَ: فَكيف كَانَت حروبة؟ قَالَ. كَانَ يجمع الْكَتَائِب ويفضها بِسوء التَّدْبِير. قَالَ: فَكيف كُنْتُم لَهُ؟ قَالَ: كُنَّا أسودا تبيت وَفِي أشداقها غلق النَّاكِثِينَ. وتصبح وَفِي صدورها قُلُوب المارقين. قَالَ: أما إِنَّه أول من يُؤْخَذ بدمه يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة لست أَنا وَلَا أَنْت رابعهم وَلَا خامسهم وهم: الْفضل بن الرّبيع، وَبكر بن الْمُعْتَمِر، والسندي بن شاهك هم وَالله ثأر أخي وَعِنْدهم دَمه.
وحَدثني مُحَمَّد بن عِيسَى كَاتب مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ بن طَاهِر قَالَ: لما دخل الْمَأْمُون بَغْدَاد. ضمن لطاهر بن الْحُسَيْن قَضَاء كل مَا يسْأَله من حَاجَة فَمَا سَأَلَهُ حَاجَة لنَفسِهِ وَلَا لوَلَده وَلكنه وَلكنه سَأَلَهُ الْعَفو عَن الْمُجْرمين فِي الْفِتْنَة وإلحاقهم بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قبله فِي دواوينهم وطبقات عطائهم وَأَن يُضَاعف أجر الْمُحْسِنِينَ فَفعل ذَلِك، ثمَّ دَعَاهُ لرفع حَوَائِجه فَلم يسْأَله شَيْئا إِلَّا أقامة الدولة لأَهْلهَا ورد لِبَاس السوَاد، وإطراح الخضرة فَأَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ من ذَلِك. وَحدثنَا يحيى بن الْحسن قَالَ: حَدثنِي أَبُو زيد الحامض قَالَ: حَدثنِي حَمَّاد بن الْحسن قَالَ: حَدثنِي بشر بن غياث المريسي قَالَ: حضرت عبد اللَّهِ الْمَأْمُون أَنا، وثمامة، وَمُحَمّد ابْن أبي الْعَبَّاس، وَعلي بن الْهَيْثَم فتناظر وافي التَّشَيُّع فنصر مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس الإمامية وَنصر عَليّ بن الْهَيْثَم الزيدية وَجرى الْكَلَام بَينهمَا إِلَى أَن قَالَ مُحَمَّد لعلى يَا نبطي مَا أَنْت وَالْكَلَام؟ . قَالَ فَقَالَ الْمَأْمُون - وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ - الشتم عى، وَالْبذَاء لؤم إِنَّا قد أبحنا الْكَلَام وأظهرنا المقالات فَمن قَالَ بِالْحَقِّ حمدناه، وَمن جهل ذَلِك وقفناه وَمن جهل الْأَمريْنِ حكمنَا فِيهِ بِمَا يجب فأجعلا بَيْنكُمَا أصلا فَإِن الْكَلَام فروع فَإِذا أفتر عتم شَيْئا رجعتم إِلَى الْأُصُول قَالَ: فَأَنا نقُول لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَإِن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - وأذكروا الْفَرَائِض والشرائع فِي الأسلام وتناظروا بعد ذَلِك. فَأَعَادَ مُحَمَّد لعلى بِمثل الْمقَالة الأولى فَقَالَ على: وَالله لَوْلَا جلالة مجلسة، وَمَا وهب اللَّهِ من خِلَافَته
1 / 22
ورأفته، وَلَوْلَا مَا نهى عَنهُ لأعرقت جبينك وَبِحَسْبِكَ من جهلك غسلك الْمِنْبَر بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: فَجَلَسَ الْمَأْمُون وَكَانَ مُتكئا فَقَالَ: وَمَا غسلك الْمِنْبَر التَّقْصِير مني فِي أَمرك أم لتقصير الْمَنْصُور كَانَ فِي أَمر أَبِيك لَوْلَا أَن الْخَلِيفَة إِذا وهب شَيْئا أستحي أَن يرجع فِيهِ لَكَانَ أقرب شَيْء بيني وَبَيْنك إِلَى الأَرْض رَأسك قُم وَإِيَّاك وَمَا عدت. قَالَ: فَخرج مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس ومضي إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن وَكَانَ زوج أُخْته فَقَالَ لَهُ كَانَ من قصتي كَيْت وَكَيْت وَكَانَ يَحْجُبهُ على النَّبِيذ فتح الْخَادِم، وياسر يتَوَلَّى الْخلْع وحسين يسْقِي، وَأَبُو مَرْيَم غُلَام سعيد الْجَوْهَرِي يتَخَلَّف فِي الْحَوَائِج، فَركب طَاهِر إِلَى الدَّار فَدخل فتح فَقَالَ: طَاهِر بِالْبَابِ. فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ من أوقاته. إئذن لَهُ فَدخل طَاهِر فَسلم فَرد ﵇ وَقَالَ: اسقوه رطلا فَأَخذه فِي يَده اليمني وَقَالَ لَهُ: أَجْلِس فَخرج وشربه، ثمَّ عَاد وَقد شرب الْمَأْمُون رطلا آخر فَقَالَ: اسقوه الثَّانِي. فَفعل كَفِعْلِهِ الأول. ثمَّ دخل فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون أَجْلِس فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ لصَاحب الشرطة أَن يجلس بَين يَدي سَيّده. قَالَ الْمَأْمُون ذَاك فِي مجْلِس الْعَامَّة فَأَما مجْلِس الْخَاصَّة فَطلق. قَالَ: وبكي الْمَأْمُون وتغرغرت عَيناهُ فَقَالَ لَهُ طَاهِر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم تبْكي لَا أبْكِي اللَّهِ عَيْنك، فو اللَّهِ لقد دَانَتْ لَك الْبِلَاد، وأذعن لَك الْعباد، وصرت إِلَى الْمحبَّة فِي كل أَمرك. فَقَالَ: أبْكِي لَا مر ذكره ذل وستره حزن، وَلنْ يَخْلُو أحد من شجن فَتكلم بحاجة إِن كَانَت لَك. قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: مُحَمَّد [بن أبي الْعَبَّاس] أَخطَأ فأقله عثرته وَأَرْض عَنهُ. قَالَ: قد رضيت عَنهُ وَأمرت بصلته ورد مرتبته وَلَوْلَا أَنه لَيْسَ من أهل الْأنس لأحضرته. قَالَ: وَانْصَرف طَاهِر فَأعْلم ابْن أبي الْعَبَّاس ذَلِك ثمَّ دَعَا بهَارُون بن جيغويه فَقَالَ: إِن للْكتاب عشيرة وَإِن أهل خُرَاسَان يتعصب بَعضهم لبَعض فَخذ مَعَك ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فأعط الْحُسَيْن الْخَادِم مِائَتي ألف، وَأعْطِ كَاتبه مُحَمَّد بن هَارُون مائَة ألف وسله أَن يسْأَل الْمَأْمُون لم بكي؟ قَالَ: فَفعل ذَلِك. قَالَ: فَلَمَّا تغدى قَالَ يَا حُسَيْن: أسقني. قَالَ: لَا. وَالله لَا سقيتك أَو تَقول لي لم بَكَيْت حِين دخل عَلَيْك طَاهِر؟ قَالَ يَا حُسَيْن: وَكَيف عنيت بِهَذَا حَتَّى سَأَلتنِي عَنهُ؟ . قَالَ لغمي بذلك. قَالَ هُوَ أَمر إِن خرج من رَأسك
1 / 23
قتلتك. قَالَ يَا سَيِّدي وَمَتى أخرجت لَك سرا؟ . قَالَ: إِنِّي ذكرت مُحَمَّدًا أخي وَمَا ناله من الذلة فخنقتني الْعبْرَة فأسترحت إِلَى الْإِفَاضَة وَلنْ يفوت طَاهِر مني مَا يكره. قَالَ: فَأخْبر حُسَيْن طَاهِرا بذلك فَركب طَاهِر إِلَى أَحْمد بن أبي خَالِد فَقَالَ لَهُ: أَن الثَّنَاء مني لَيْسَ برخيص وَإِن الْمَعْرُوف عِنْدِي لَيْسَ بضائع، فغيبني عَن عينه. فَقَالَ لَهُ سأفعل فبكر على غَدا. قَالَ: وَركب ابْن أبي خَالِد إِلَى الْمَأْمُون فَلَمَّا فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ مَا نمت اللَّيْلَة. فَقَالَ لَهُ: وَلم وَيحك. قَالَ: لِأَنَّك وليت غَسَّان خُرَاسَان وَهُوَ وَمن مَعَه أَكلَة رَأس فَأَخَاف أَن يخرج عَلَيْك خَارِجَة من التّرْك فتصطلمه. فَقَالَ: لقد فَكرت فِيمَا فَكرت فِيهِ. قَالَ: فَمن ترى؟ قَالَ: طَاهِر بن الْحُسَيْن قَالَ: وَيلك يَا أَحْمد هُوَ وَالله خَالع. قَالَ: أَنا الضَّامِن لَهُ. قَالَ لَهُ: فأنفذه قَالَ: فَدَعَا بطاهر من سَاعَته فَنزل فِي بُسْتَان خَلِيل بن هَاشم فَحصل إِلَيْهِ فِي كل يَوْم أَقَامَ فِيهِ مائَة ألف فَأَقَامَ شهرا فَحملت إِلَيْهِ عشرَة آلَاف ألف الَّتِي تحمل إِلَى صَاحب خُرَاسَان
قَالَ أَبُو حسان الزيَادي: وَكَانَ قد عقد لَهُ على خُرَاسَان وَالْجِبَال من حلوان إِلَى خُرَاسَان وَكَانَ شخوصه من بَغْدَاد يَوْم الْجُمُعَة لليلة بقيت من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَمِائَتَيْنِ وَقد كَانَ عَسْكَر قبل ذَلِك بشهرين فَلم يزل مُقيما فِي عسكره. قَالَ أَبُو حسان وَكَانَ سَبَب ولَايَته فِيمَا أجمع النَّاس عَلَيْهِ أَن عبد الرَّحْمَن المطوعي [جمع جموعا بنيسابور لِيُقَاتل بهم الحرورية] بِغَيْر أَمر وَإِلَى خُرَاسَان فتخوفوا أَن يكون ذَلِك لأجل عمل عمله وَكَانَ غَسَّان بن عباد يتَوَلَّى خُرَاسَان من قبل الْحسن بن سهل وَهُوَ ابْن عَم الْفضل بن سهل. وَذكر أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عَليّ بن طَاهِر عَن عَليّ بن هَارُون أَن طَاهِر ابْن الْحُسَيْن قبل خُرُوجه إِلَى خُرَاسَان وتوليته لَهَا نَدبه الْحسن بِهِ سهل لِلْخُرُوجِ إِلَى محاربة نصر بن شبث فَقَالَ حَارَبت خَليفَة وسقت الْخلَافَة [إِلَى خَليفَة] وأومر بِمثل هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن توجه لهَذَا قائدا من قوادي فَكَانَ سَبَب المصارمة بَين طَاهِر وَالْحسن. قَالَ: وَخرج طَاهِر إِلَى خُرَاسَان لما تولاها وَهُوَ لَا يكلم الْحسن بن سهل فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا كنت لأحل عقدَة عقدهَا لي فِي مصارمته.
1 / 24
ذكر خُرُوج عبد اللَّهِ بن طَاهِر إِلَى مُضر لمحاربة نصر بن شبث واستخلافه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم على مَدِينَة السَّلَام
حَدثنِي يحيى بن الْحسن بن عبد الْخَالِق قَالَ: لما كَانَ فِي شهر رَمَضَان من سنة خمس أوست دَعَا الْمَأْمُون عبد اللَّهِ بن طَاهِر فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا عبد اللَّهِ: إِنِّي استخير اللَّهِ مُنْذُ شهر وَأَرْجُو أَن يُخَيّر اللَّهِ لي، وَرَأَيْت الرجل يصف ابْنه ليطريه لرأيه فِيهِ وليرفعه ورأيتك فَوق مَا قَالَ أَبوك فِيك وَقد مَاتَ يحيى بن معَاذ واستخلف ابْنه أَحْمد بن يحيى وَلَيْسَ بِشَيْء، وَقد رَأَيْت توليتك مُضر ومحاربة نصر بن شبث. فَقَالَ: السّمع وَالطَّاعَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَأَرْجُو أَن يَجْعَل اللَّهِ لأمير الْمُؤمنِينَ الْخيرَة وللمسلمين. قَالَ فعقد لَهُ. ثمَّ أَمر أَن تقطع حبال القصارين عَن طَرِيقه [وَتَنَحَّى] عَن الطرقات [المظال] لِئَلَّا يكون فِي طَرِيقه مَا يرد لِوَاءُهُ ثمَّ عقد لَهُ لِوَاء [مَكْتُوبًا] عَلَيْهِ بصفرة مَا يكْتب على الألوية وَزَاد فِيهِ الْمَأْمُون يَا مَنْصُور. وَخرج وَمَعَهُ النَّاس فَصَارَ إِلَى منزله، وَلما كَانَ من غَد ركب إِلَيْهِ النَّاس وَركب الْفضل بن الرّبيع فَأَقَامَ عِنْده اللَّيْل. قَالَ: فَقَامَ الْفضل فَقَالَ عبد اللَّهِ: يَا أَبَا الْعَبَّاس قد تفضلت وأحسنت وَقد تقدم أبي وأخوك إِلَى أَن لَا أقطع أمرا دُونك، وَاحْتَاجَ أَن استطلع رَأْيك وأستضئ بمشورتك، فَإِن رَأَيْت أَن تقيم عِنْدِي إِلَى أَن نفطر فأفعل؟ قَالَ: فَقَالَ الْفضل: إِن لي حالات لَيْسَ يمكنني مَعهَا الْإِفْطَار هَهُنَا. قَالَ: إِن كنت تكره طَعَام أهل خُرَاسَان فَابْعَثْ إِلَى مطبخك يَأْتُوا بطعامك فَقَالَ لَهُ: إِن لي رَكْعَات بَين الْعشَاء وَالْعَتَمَة. قَالَ: فَفِي حفظ اللَّهِ قَالَ: وَخرج مَعَه إِلَى صحن دَاره يشاوره فِي خَالص أُمُوره.
1 / 25
قَالَ وَكَانَ خُرُوج عبد اللَّهِ الصَّحِيح إِلَى مُضر لقِتَال نصر بن شبث بعد خُرُوج أَبِيه إِلَى خُرَاسَان بِسِتَّة أشهر وأستخلف إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم على بَغْدَاد والسندي ابْن يحيى على الْجَانِب الشَّرْقِي، وَعَيَّاش بن الْقَاسِم على الْجَانِب الغربي قَالَ: وَلما ولى طَاهِر ابْنه عبد اللَّهِ ديار ربيعَة كتب إِلَيْهِ كتابا نسخته: -
عَلَيْك بتقوى اللَّهِ وَحده، لَا شريك لَهُ، وخشيته ومراقبته، ومزايلة سخطه، وَحفظ رعيتك، وَلُزُوم مَا ألبسك اللَّهِ من الْعَافِيَة بِالذكر لمعادك وَمَا أَنْت صائر إِلَيْهِ وَمَوْقُوف عَلَيْهِ، ومسئوول عَنهُ، وَالْعَمَل فِي ذَلِك كُله بِمَا يَعْصِمك اللَّهِ، وينجيك يَوْم لِقَائِه من عَذَابه وأليم عِقَابه، فَإِن اللَّهِ قد أحسن إِلَيْك وواجب عَلَيْك الرأفة بِمن أسترعاك أَمرهم من عباده، وألزمك الْعدْل عَلَيْهِم، وَالْقِيَام بِحقِّهِ وحدوده فيهم، والذب عَنْهُم وَالدَّفْع عَن حريمهم وبيضتهم، والحقن لدمائهم، والأمن لسبلهم، وَإِدْخَال الرَّاحَة عَلَيْهِم فِي مَعَايشهمْ، ومؤاخذك بِمَا فرض عَلَيْك من ذَلِك وموقفك عَلَيْهِ وسائلك عَنهُ ومثيبك عَلَيْهِ بِمَا قدمت وأخرت، ففرغ لذَلِك فكرك، وعقلك، وبصرك ورؤيتك وَلَا يذهلك عَنهُ ذاهل، وَلَا يشغلك عَنهُ شاغل، فَإِنَّهُ رَأس أَمرك، وملاك شَأْنك، وَأول مَا يوفقك اللَّهِ بِهِ لرشدك. وَليكن أول مَا تلْزم بِهِ نَفسك، وتنسب إِلَيْهِ فعالك الْمُوَاظبَة على مَا أفترض اللَّهِ عَلَيْك من الصَّلَوَات الْخمس وَالْجَمَاعَة عَلَيْهَا بِالنَّاسِ قبلك فِي مواقيتها وعَلى سننها فِي إسباغ الْوضُوء لَهَا، وافتتاح ذكر اللَّهِ فِيهَا، وترتل فِي قراءتك وَتمكن فِي ركوعك وسجودك، وتشهدك ولتصدق فِيهَا لِرَبِّك نيتك، واحضض عَلَيْهَا جمَاعَة من مَعَك، وَتَحْت يدك، وادأب عَلَيْهَا فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ اللَّهِ، تَأمر بِالْمَعْرُوفِ، وتنتهي عَن الْمُنكر، ثمَّ أتبع ذَلِك الْأَخْذ بسنن رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - والمثابرة على فَرَائِضه [خلائقه] واقتفاء آثَار السّلف الصَّالح من بعده، وَإِذا ورد عَلَيْك أَمر فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ باستخارة اللَّهِ وتقواه، وَلُزُوم مَا أنزل اللَّهِ فِي كِتَابه من أمره وَنَهْيه، وَحَلَاله وَحَرَامه، وائتمام مَا جَاءَت بِهِ الْآثَار عَن النَّبِي ﷺ َ -، ثمَّ قُم فِيهِ بِمَا يحِق لله عَلَيْك، وَلَا تمل عَن الْعدْل فِيمَا أَحْبَبْت أَو كرهت
1 / 26
لقريب من النَّاس أَو بعيد، وآثر الْفِقْه وَأَهله، وَالدّين وَحَمَلته، وَكتاب اللَّهِ والعاملين بِهِ فَإِن أفضل مَا تزين بِهِ الْمَرْء الْفِقْه فِي دين اللَّهِ والطلب لَهُ، والحث عَلَيْهِ، والمعرفة بِمَا يتَقرَّب فِيهِ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ الدَّلِيل على الْخَيْر كُله، والقائد لَهُ والآمر بِهِ والناهي عَن الْمعاصِي والموبقات كلهَا، وَبهَا مَعَ توفيق اللَّهِ تزداد الْعباد معرفَة بِاللَّه تَعَالَى ذكره وإجلالا لَهُ، ودركا للدرجات الْعلي فِي الْمعَاد مَعَ مَا فِي ظُهُوره للنَّاس من التوقير لأمرك، والهيبة لسلطانك. والأنسة بك، والثقة بعدلك
وَعَلَيْك بالاقتصاد فِي الْأُمُور كلهَا، فَلَيْسَ شَيْء أبين نفعا، وَلَا أحضر أمنا، وَلَا أجمع فضلا من الْقَصْد، وَالْقَصْد دَاعِيَة إِلَى الرشد دَلِيل على التَّوْفِيق، والتوفيق منقاد إِلَى السَّعَادَة. وقوام الدّين وَالسّنَن الهادية بالاقتصاد، فآثره فِي دنياك كلهَا، وَلَا تقصر فِي طلب الْآخِرَة، وَطلب الْأجر والأعمال الصَّالِحَة، وَالسّنَن الْمَعْرُوفَة، ومعالم الرشد، فَلَا غَايَة للاستكثار من الْبر وَالسَّعْي لَهُ إِذا كَانَ يطْلب بِهِ وَجه اللَّهِ ومرضاته، ومرافقة أوليائه فِي دَار كرامته، وَأعلم أَن الْقَصْد فِي شَأْن الدُّنْيَا يُورث الْعِزّ ويحصن من الذُّنُوب وَإنَّك لن تحوط نَفسك وَمن يليك، وَلَا تستصلح أمورك بِأَفْضَل مِنْهُ فأته وأهتد بِهِ تتمّ أمورك وتزد بِهِ مقدرتك، وَتصْلح بِهِ خاصتك وعامتك وَأحسن الظَّن بِاللَّه جلّ ذكره يستقم لَك رعيتك، وَالْتمس الْوَسِيلَة إِلَيْهِ فِي الْأُمُور كلهَا تستدم بِهِ بِالنعْمَةِ عَلَيْك، وَلَا تنهض أحدا من النَّاس فِيمَا تَوْلِيَة من عَمَلك قبل تكشف أمره بالتهمة، فَإِن إِيقَاع التهم بالبراء والظنون السَّيئَة بهم مأثم، وَأَجْعَل من شَأْنك حسن الظَّن بِأَصْحَابِك واطرد عَنْك سوء الظَّن بهم وأرفضه عَنْهُم، يعنك ذَلِك على أصطناعهم ورياضتهم، وَلَا يجدن عَدو الله الشَّيْطَان فِي أَمرك مغمزا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ من وهنك فَيدْخل عَلَيْك من الْغم فِي سوء الظَّن مَا ينغصك لذاذة عيشك. وَأعلم أَنَّك تَجِد بِحسن الظَّن قُوَّة وراحة، وتكفي بِهِ مَا أَحْبَبْت كِفَايَته من أمورك، وَتَدْعُو بِهِ النَّاس إِلَى محبتك، والاستقامة فِي الْأُمُور كلهَا لَك، وَلَا يمنعك حسن الظَّن بِأَصْحَابِك، والرأفة برعيتك أَن تسْتَعْمل الْمَسْأَلَة والبحث عَن أمورك والمباشرة لأمور الْأَوْلِيَاء، والحياطة للرعية، وَالنَّظَر فِيمَا يقيمها ويصلحها، بل
1 / 27
لتكن الْمُبَاشرَة لأمور الْأَوْلِيَاء، والحياطة للرعية، وَالنَّظَر فِي حوائجهم، وَحمل مؤوناتهم آثر عنْدك وَأوجب إِلَيْك مِمَّا سوى ذَلِك؛ فَإِنَّهُ أقوم للدّين، وَأَحْيَا للسّنة وأخلص نيتك فِي جَمِيع هَذَا، وَتفرد بتقويم نَفسك تفرد من يعلم أَنه مسئول عَمَّا صنع، ومجزي بِمَا أحسن، ومأخوذ بِمَا أَسَاءَ، فَإِن اللَّهِ جعل الدّين حرْزا وَعزا، وَرفع من اتبعهُ وعززه فاسلك بِمن تسوسهم وترعاهم نهج الدّين وَطَرِيقَة الْهدى.
وأقم حُدُود أَصْحَاب الجرائم على قدر مَنَازِلهمْ وَمَا استحقوا، وَلَا تعطل ذَلِك وَلَا تهاون بِهِ، وَلَا تُؤخر عُقُوبَة أهل الْعقُوبَة فَإِن تفريطك فِي ذَلِك مِمَّا يفْسد عَلَيْك حسن ظَنك، وأعزم على أَمرك فِي ذَلِك بالسنن الْمَعْرُوفَة، وجانب الْبدع والشبهات يسلم لَك دينك، وتقم لَك مروتك، وَإِذا عَاهَدت عهدا أَقف بِهِ، وَإِذا وعدت بِالْخَيرِ فأنجزه وَاقْبَلْ الْحَسَنَة وانتفع بهَا وأغمض عَن عيب كل ذِي عيب من رعيتك، وَاشْدُدْ لسَانك عَن قَول الْكَذِب والزور، وَأبْغض أَهله، وأقص أهل النميمة فَإِن أول فَسَاد أَمرك فِي عَاجل الْأُمُور أجلهَا تقريب الكذبة وَأهل الجرأة على الْكَذِب لِأَن الْكَذِب رَأس المآثم، والزور [والنميمة خاتمتها لِأَن] صَاحب النميمة لَا يسلم لَهُ صَاحب، وَلَا يستقم لمطيعة أَمر، وأحبب أهل الصّلاح والصدق وأعن الاشراف بِالْحَقِّ، وواس الضُّعَفَاء، وصل الرَّحِم، وابتغ بذلك وَجه اللَّهِ، وَعزة أمره وَالْتمس فِيهِ ثَوَابه وَالدَّار الْآخِرَة مِنْهُ، واجتنب سوء الْأَهْوَاء والجور وأصرف عَنْهُمَا رَأْيك، وَأظْهر براءتك من ذَلِك لرعيتك، وأنعم بِالْعَدْلِ سياستهم وقم بِالْحَقِّ فيهم وبالمعرفة الَّتِي تَنْتَهِي بك إِلَى سَبِيل الْهدى. وأملك نَفسك عِنْد الْغَضَب وآثر الْوَقار والحلم، وَإِيَّاك والحدة، والطيرة والغرور فِيمَا أَنْت بسبيله، وَإِيَّاك تَقول إِنِّي مسلط أفعل مَا أَشَاء فَإِن ذَلِك سريع فِيك إِلَى نقص الرَّأْي، وَقلة الْيَقِين بِاللَّه وَحده لَا شريك لَهُ. أخْلص اللَّهِ لنا وَلَك النِّيَّة فِيهِ، وَالْيَقِين بِهِ.
وَأعلم أَن الْملك لله يُعْطِيهِ من يَشَاء، وينزعه مِمَّن يَشَاء، وَلنْ تَجِد تغير النِّعْمَة وحلول نقمة إِلَى أحد أسْرع مِنْهُ إِلَى حَملَة النِّعْمَة من أَصْحَاب السُّلْطَان، والمبسوط لَهُم
1 / 28