فقالت علية: أحسنت يا سعيد، وأظنك قرأت أناتول فرانس.
فقال سعيد في بساطة: لم أقرأ منه حرفا.
وضحك فؤاد وعلية، ولكن فؤاد كان يخشى أن تتجه إليه فتحدثه عن قصة الأديب الكبير الفرنسي، وتسأله هل قرأها، وشعر بالنجاة عندما أخذت هي تتحدث وتصف كيف كان أناتول يقرع الإدراك الإنساني على غروره وقصوره.
وأحس فؤاد في ذلك اليوم وهو عائد إلى المدينة أنه قضى يوما من الأيام التي لن تزول صورتها من الذاكرة، كانت ساعاته من اللحظات الموسيقية التي تمر عابرة فلا تعود، ثم تترك وراءها أصداء حلوة مطربة تتردد إلى الأبد في الأسماع.
ولما نزلوا عند البيت استندت علية بيدها على ذراع فؤاد حتى دخلوا إلى المرسم، وأعدت في ذلك المساء مائدة الشاي بيديها، وقد كان لذلك الشاي - بعد جهد اليوم - طعم لا يشبه طعم أي شاي ذاقه من قبل!
وجاء إلى فؤاد كتاب من أبيه يدعوه إلى الذهاب عنده فلم يجد بدا من طاعته بعد أن انقضى شهر عليه في الإسكندرية، وكان لا بد له من أن ينظر في أمر مستقبله ويستشير فيه والده بعد أن ظهرت نتيجة الامتحان، وما كان أشد عجبه إذ عرف أنه نجح وكان سابقا، فاستأذن صاحبه كما استأذن علية، ووقعت كلماتها على سمعه عذبة عندما قالت له: لا تنس أن تزورنا. •••
واحتفلت القرية بمقدم فؤاد فلقيته عند عودته إليها بما لم تلقه به من قبل، وازدحمت الدار أياما بمن وفد عليها من القرى المجاورة، وكان نساء العزبة يجتمعن كل ليلة في فضاء الجرن يغنين ويزغردن كأنهن يحيين عرسا.
وجاء إليه قوية بعد ثلاثة أيام، وكان لم يره منذ يوم وصوله إلا مرة عندما سلم عليه في صحن الدار مع الجموع الوافدة.
فقال له الفتى: سيكون عقدي بعد غد يا سيدي.
فقال فؤاد في شبه صيحة: أولم تعقد بعد يا قوية؟
Bilinmeyen sayfa