Sonbaharın İlk Günleri: Asil Bir Hanımefendinin Hikayesi

Rasha Salah Dakhakhni d. 1450 AH
22

Sonbaharın İlk Günleri: Asil Bir Hanımefendinin Hikayesi

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Türler

لقد تغير كل شيء تغيرا هائلا. ومن النوافذ العليا للمنزل الحجري الضخم المبني على الطراز الجورجي حيث كان يعيش آل بينتلاند، كان بوسع المرء أن يرى سجلا بجميع التغيرات التي حدثت. كانت النوافذ تطل على منظر طبيعي ممتد يتألف من مروج عشبية متواضعة وجدران حجرية، وأجمات من أشجار الصنوبر والبتولا البيضاء، وأهوار، ونهر بني متعرج راكد. وأحيانا في أواخر فصل الخريف كانت الظباء تنزل متجولة من على جبل نيو هامبشاير فتشتت انتباه كلاب الصيد عن الثعالب وتضللها بعيدا بعد الركض وراء طريدة كانت تفوقها سرعة بكثير.

وعلى مسافة أقرب، وعند منعطف النهر، تقع الأرض التي ولدت عليها سابين كاليندار وعاشت فيها حتى صارت امرأة ناضجة - الأرض التي باعتها باستهتار إلى أوهارا، السياسي الأيرلندي والمنتمي إلى الروم الكاثوليك، الذي ظهر من العدم ليستحوذ على الأرض، ويقلم سياجها الشجري، ويصلح جدرانها المتصدعة، ويطلي أبنيتها القديمة ويضع عليها بوابات وأسوارا لامعة وجديدة جدا. وأنجز هذا بدقة بالغة حقا وعلى نحو جيد للغاية لدرجة أن المكان بأكمله كانت به مسحة من التطوير العقاري الذي تتسم به الضواحي. والآن، ها قد عادت سابين لتقضي فصل الصيف في أحد منازله ولتكون ودودا جدا معه على مرأى ومسمع من العمة كاسي وآنسون بينتلاند، وعشرين ممن على شاكلتهما.

كانت أوليفيا تعرف عن ظهر قلب هذا المنظر الطبيعي الشاسع بجماله الكئيب، كل غرس وحجر فيه، من مقلع الحجارة الخطر، الذي تكاد تختفي أطرافه وراء شجيرات عتيقة، إلى أجمة الصنوبر السوداء حيث اكتشف هيجينز قبل يوم أو يومين فقط جراء ثعالب وليدة. كانت تعرف هذا المنظر الطبيعي في الأيام الغائمة عندما يكون الجو باردا ويبعث على الكآبة، وفي الأيام المشرقة والصافية جدا في نيو إنجلاند حين يبدو كل غصين وكل ورقة محددة المعالم بفعل الضوء، وفي تلك الأيام الباردة الرطبة التي ينتشر فيها ضباب رمادي عبر الأهوار آتيا من البحر ليغلف الريف بأكمله بظلام كئيب. كانت منطقة ريفية قاسية متصلبة ومتحجرة لا تعرف المبالغة في المرح أبدا.

كانت أيضا منطقة ريفية، تمنحها شعورا مزمنا بالوحدة ... وهو شعور بدا على نحو غريب جدا أنه يزداد ولا يقل أبدا بمرور السنين. لم تكن قد تعودت مطلقا على الكآبة المتقطعة لتلك المنطقة. في البداية، منذ فترة طويلة، بدت لها المنطقة مكانا غضا وهادئا ويمتلئ بالسكينة، مكانا ربما تجد فيه الراحة والسكينة ... ولكنها صارت منذ فترة طويلة تراه على حقيقته، كما كانت تراه سابين حين وقفت في نافذة غرفة المكتب، وقد انتابها الخوف من الظهور المفاجئ والغريب لسائس الخيل الضئيل البنية - منطقة ريفية جميلة وقاسية وباردة وجدباء قليلا.

2

مرت على أوليفيا أوقات بدا فيها أن ذكريات صباها تزداد وضوحا فجأة وتنقض عليها، بحيث تطغى على كل إحساس بالحاضر، أوقات أرادت فيها فجأة وبقوة أن تعود إلى الماضي البعيد الذي كان قد بدا حينئذ تعيسا؛ وكانت هذه الأوقات هي الأوقات التي شعرت فيها بأشد درجات الوحدة، الأوقات التي علمت فيها أنها مع مرور السنوات كانت قد انطوت على نفسها تماما؛ كانت تحمي نفسها مثلما تفعل السلحفاة حين تسحب رأسها إلى داخل صدفتها. وفي الوقت نفسه، رغم الابتسامات والمجاملات واللطف المبالغ فيه، كانت تشعر بأنها حقا غريبة داخل منزل عائلة بينتلاند، وبأنه توجد جدران وحواجز لا تستطيع أبدا أن تهدمها، ولا تستطيع مطلقا أن تتعداها وتخترقها، معتقدات يستحيل عليها أن تؤمن بها.

كان من الصعب عليها الآن أن تتذكر بوضوح شديد ما حدث لها قبل أن تأتي إلى دورهام؛ إذ بدا كل شيء مفقودا ومشوشا ومتواريا تحت وطأة إخلاصها لمنزل عائلة بينتلاند الشاسع. كانت قد نسيت أسماء الأشخاص والأماكن واختلطت عليها الأيام والسنون. وأحيانا كان يصعب عليها أن تتذكر الرحلات البحرية المربكة المتكررة عبر المحيط الأطلنطي ذهابا وإيابا والفنادق الشاسعة والموحشة والفسيحة التي تعاقبت صورها واحدة تلو الأخرى في سلسلة أحداث طفولتها الكئيبة وغير الواقعية.

كان بإمكانها أن تتذكر بوضوح مثير للشفقة عامين سعيدين قضتهما في المدرسة ببلدة سان كلود الفرنسية، حيث عاشت لشهور متصلة في غرفة منفردة ربما تستطيع أن تطلق عليها غرفتها الخاصة، حيث كانت تستريح، وتتحرر من الخوف الذي كان يعتريها حين تسمع والدتها تقول: «يجب أن نحزم أمتعتنا اليوم. سنغادر غدا إلى سانت بطرسبرج أو لندن أو سان ريمو أو القاهرة ...»

ولا تكاد تتذكر المنزل الحجري الضخم بأحجاره البنية الداكنة المزود بأبراج وشرفات رائعة تطل على بحيرة مشيجان. لقد بيع وتهدم قبل فترة طويلة، وتدمر مثل كل شيء كان ينتمي إلى الماضي البعيد. عجزت عن تذكر الأب الذي توفي وهي في الثالثة من عمرها؛ ولكن بقيت منه على الأقل صورة فوتوغرافية مصفرة لرجل عظيم وسيم مفتول العضلات ذي وجه أسكتلندي-أيرلندي مرح، كان قد توفي في اللحظة التي صار فيها اسمه شهيرا في كل مكان باعتباره ذا نفوذ في واشنطن. كلا، لم يبق منه شيء سوى صورة فوتوغرافية قديمة، والابتسامة الباهتة الهزيلة الساخرة التي ورثتها عنه، والطريقة التي تقول بها بلطف: «أجل! أجل!» حين كانت تنوي التصرف بطريقة مناقضة تماما.

كانت تمر عليها أوقات تصير فيها ذكرى أمها مبهمة وعجيبة، كما لو أنها لم تكن سوى شكل يطل من صورة غريبة ملتقطة في أوائل القرن العشرين ... شكل لامرأة جميلة، ترتدي ملابس أنيقة تنسدل من كلا الاتجاهين على خصر نحيل جدا. كانت مثل شكل يخرج من إحدى تلك الصور الفوتوغرافية القديمة التي يتطلع إليها المرء في حالة من الاستمتاع المقبض. تذكرت امرأة جميلة مغرورة أنانية، مولعة بالإطراء، كانت على قدر كاف من الفطنة التي تحول بينها وبين الزواج من واحد من أولئك النبلاء البواسل السمر ذوي الألقاب الرنانة الذين كانوا يأتون لزيارتها في غرفة استقبال الفندق التي لم يكن يطالها تغيير أبدا، لاصطحابها إلى حفلات الحدائق والمهرجانات والسباقات. ودوما في خلفية الذكريات كانت ثمة صورة لفتاة صغيرة كئيبة، تغمرها الوحدة والتوق إلى الأصدقاء، تركت بمفردها لتسلي نفسها بالخروج مع المربية السويسرية، وتكوين صداقات مع الأطفال الذين كانت تلتقي بهم في المتنزهات أو الشواطئ وفي شوارع المدينة الأوروبية التي كانت أمها تزورها في تلك اللحظة ... أصدقاء كانت تراهم اليوم ويختفون في الغد ولا تراهم ثانية مطلقا. ولاحظت الآن أن أمها كانت تنتمي إلى أمريكا تسعينيات القرن التاسع عشر. لم تكن الآن تراها شخصية حقيقية وإنما شخصية خرجت من إحدى روايات السيدة وارتون.

Bilinmeyen sayfa