أول هواء حرك المروحتين،
2
وأول تراب مس الراحتين، وشعاع شمس اغترق العين؛ مجرى الصبا وملعبه، وعرس الشباب وموكبه، ومراد الرزق ومطلبه، وسماء النبوغ وكوكبه، وطريق المجد ومركبه؛ أبو الآباء مدت له الحياة فخلد، وقضى الله ألا يبقى له ولد؛ فإن فاتك منه فائت فاذهب كما ذهب أبو العلاء عن ذكر لا يفوت، وحديث لا يموت.
مدرسة الحق والواجب، يقضي العمر فيها الطالب، ويقضي وشيء منهما عنه غائب؛ حق الله وما أقدسه وأقدمه، وحق الوالدين وما أعظمه، وحق النفس وما ألزمه؛ إلى أخ تنصفه، أو جار تسعفه، أو رفيق في رحال الحياة تتألفه، أو فضل للرجال تزينه، ولا تزيفه،
3
فما فوق ذلك من مصالح الوطن المقدمة، وأعباء أماناته المعظمة؛ صيانة بنائه، والضنانة
4
بأشيائه، والنصيحة لأبنائه، والموت دون لوائه؛ قيود في الحياة بلا عدد. يكسرها الموت وهو قيد الأبد.
رأس مال الأمم فيه من كل ثمر كريم، وأثر ضئيل أو عظيم، ومدخر حديث أو قديم؛ ينمو على الدرهم كما ينمو على الدينار، ويربو على الرذاذ كما يربو على الوابل المدرار، بحر يتقبل من السحب ويتقبل من الأنهار.
فيا خادم الوطن ماذا أعددت للبناء من حجر، أو زدت في الغناء من شجر؟ عليك أن تبلغ الجهد، وليس عليك أن تبني السد؛ فإنما الوطن كالبنيان فقير إلى الراس العاقل، والساعد العامل، وإلى العتب الوضيعة، والسقوف الرفيعة، وكالروض محتاج إلى رخيص الشجر وثمينه، ونجيب النبات وهجينه، إذ كان ائتلافه في اختلاف رياحينه، فكل ما كان منها لطيفا موقعه، غير ناب به موضعه، فهو من نوابغ الزهر قريب، وإن لم يكن في البديع ولا الغريب.
Bilinmeyen sayfa