74

En Ucuz Geceler

أرخص ليالي

Türler

وأحس أبو المتولي بالراحة حين سمعه الراجل، فذلك كان يعني انتهاء مهمة عينيه الشاقة، فأغلقهما ولم يبق إلا شعاعا رفيعا كافيا لأن يتحسس به ما حوله. - غبت ليه يا مبروك؟

ولم يرد أبو المتولي أن يضيع الوقت في سلام أو كلام مع الشيخ محمد، ووضع اللفافة التي كان يحملها فوق يديه على المصطبة البارزة من باب الجامع، وكان في اللفافة رضيع ميت ملفوف بجرام أجرب باهت، وقال: صلي يا شيخ محمد.

وتلكأ الشيخ قليلا، وتغمز وتلمز بعينيه اللتين يغطي مقلتيهما سحاب أزرق ، وحرك رقبته وبص إلى اليسار، ثم استدار إلى اليمين، وابتسم ابتسامة كلها مكر ساذج، وهم أن يقول شيئا، ولكن أبو المتولي الحانوتي كان فارغ البال، ناشف الريق، فشدد الضغط على أجفانه، ورفع وجهه إلى فوق، وكأنما يتحدى الشمس والشيخ محمد معا، وقال: يوهوه، بس صلي الأول.

وأكمل غضبته بخبطة على جلبابه، ثم استدار وبحركة لا إرادية ثبت كفا فوق عمامته من أمام، وكفا أخرى من الخلف، وجذب العمامة بقوة ليحبكها ربما للمرة العاشرة منذ الصباح.

ولم يتحرك من مكانه إلا بعد أن نوى الشيخ، وبعد هذا مضى يراقب الخناقات الصغيرة الناشبة بين البائعين والمشترين - وما كان أكثرهم - حول الجامع وأمامه، ثم أتعبته الشمس فاتجه بعينيه إلى الظل؛ حيث كانت حلقة ذكر قائمة على قدم وساق، وكانت الحلقة تضم جمعا قليلا متنافرا من الناس، وعلى رأسهم شيخ مجذوب له «شرف» أحمر، وقد علق في كتفه «مخلاية» لا يعلم ما فيها إلا الله، وكان الشيخ يمسك بمجلس الذكر على دقات مسبحته فوق عصاته المصنوعة من ماسورة حديدية، وأثناء هذا ينشد ويوشح، وكان صوته أقبح من وجهه.

ولما جاء بائع العرقسوس، ورنت صاجاته وصيحاته، تذكر أبو المتولي ريقه الجاف، ولم يستطع أن يقاوم إغراء الضباب المثلج الذي يحيط بزجاج الإناء، والذي ترد رؤيته الروح، فمد يده بنصف قرش للرجل، وأزاح الرغاوي المتجمعة على سطح الكوب بنفخة واحدة من زفيره، ثم سمى ومضى يجرع، وأعجبته «الشوية» فمد يده اليمنى من خلال فتحة جلبابه، وهو يشرب، وانتزع من جيب الصديري تعريفة أحمر، وأعطاه للبائع، وتلاعبت حنجرته التي لا تكاد تظهر من رقبته، وهو يتاوي الكوب الثاني.

وتكرع، وحفل جسده بالعرق.

ورمق بائع جميز بربع عين، ولم يعجبه الجميز، فرجع إلى الباب ليجد أن الشيخ محمد قد انتهى من الركعتين. - السلام عليكم ورحمة الله.

قالها الشيخ محمد، وهو يحملق ناحية الحانوتي، وقالها بصوت مرتفع منغم، وكأنما يوبخ أبا المتولي ويؤنبه، ثم انخفض صوته حتى أصبح حوقلة وهمسا، وانخرط في ختم الصلاة.

وألقى عليه الحانوتي نظرة فيها شك وعدم اطمئنان وسأله: بقى ودينك يا شيخ، الواد على القبلة مظبوط؟

Bilinmeyen sayfa