Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
Yayıncı
دار النهار للنشر بيروت
Türler
يكرهونهم ويمقتونهم» (٨).
وقد نجد في تحذيره، حتى الحكام الصالحين، من اختيار المستشارين الفاسدين والممالقين الذين لا يتورعون عن الخيانة، ومن حجب الثقة عن «الحكماء والأفاضل الذين إنما بفضيلتهم يرهبون» (٩)، صدى لمؤامرة شخصية ربما كانت السبب في نفي الطهطاوي. ومن جهة أخرى، كان لا بد لنصائح «فنلون» في طريقة الحكم أن تبدو للطهطاوي قابلة للتطبيق على مصر في أيامه: فالحكام يجب أن يكونوا على معرفة تامة ومباشرة ببلادهم، وأن يشجعوا التجارة والزراعة، وأن يعنوا العناية اللازمة بالتربية، وأن ينتجوا المعدات الضرورية للدفاع، وفوق كل ذلك، أن يحترموا مبادئ الاعتدال والعدل (١٠).
لقد قبل الطهطاوي بسلطة الحاكم، لكنه ألح أيضًا على الحد الذي تضعه لها القواعد الخلقية. ولكي يشرح الفكرة الإسلامية القائلة بأن الشريعة هي فوق الحاكم، يلجأ إلى تفريق مونتسكيو بين «السلطات الثلاث» (١١). ومما لا شك فيه أن ما شاهده في فرنسا قد عزز لديه فكرة فرض القيود على سلطة العاهل المطلقة. فهو، إذ يكتب عن ثورة ١٨٣٠، يعرف تعريفًا واضحًا الملكية المقيدة والجمهورية. غير أنه، في كتاب «مناهج الألباب»، يستمد البرهان على وجوب الحد من ممارسة السلطة من الفكرة التقليدية القائلة بانقسام المجتمع إلى «مراتب» أو «طبقات»، لكل منها وظيفة معينة ووضع حقوقي خاص. فهو يميز، وفقًا لمبدأ ثابت منذ القدم، بين أربع طبقات: الحاكم، ورجال الدين والشرع، والجنود، وأهل الإنتاج الاقتصادي (١٢). وهو يعير أهمية خاصة للطبقة الثانية ولدورها في الدولة، فيقول إن على الحاكم أن يحترم ويكرم العلماء وأن يعتبرهم معاونين له في مهمة الحكم. اعتاد الفقهاء المسلمون على ترديدها وهذه نغمة. فلربما كان لها عنده، كما كان عندهم، رنين «قومي». فقد كان الحكم،
1 / 98