Eleştirel Görüşler: Düşünce ve Kültür Problemleri
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Türler
إن ياسبرز ينظر إلى ألمانيا الشرقية لا على أنها دولة، بل على أنها «إقليم اعتدت على استقلاله سلطة أجنبية»، ثم يتساءل: «كيف يمكن إنقاذ إخواننا في الشرق من العبودية؟ أليس هناك طريق سوى إعادة التوحيد؟» إن هذا الطريق يؤدي إلى ظهور النزعات الوطنية المتطرفة التي عانت منها ألمانيا في أيام هتلر؛ ولذلك يرد ياسبرز بقوله: «إن الوحدة التي تهمنا اليوم هي الوحدة الكونفدرالية لأوروبا، ووحدة أوروبا مع أمريكا» (ص25 من الترجمة الفرنسية).
وفي رأي ياسبرز أن الوضع الحالي في ألمانيا، وإن كان قد ترتب على الحرب، فإنه لا يمكن أن يتغير بالحرب؛ لأن القنبلة الذرية ستقضي عندئذ على الجميع (ومعنى ذلك أنه لو لم تكن هناك قنبلة ذرية، لكان من الجائز أن يدعو ياسبرز إلى تغير هذا الوضع بالحرب!) إن وضع التقسيم هذا هو الجزاء الذي استحقه الألمان نتيجة لتعاونهم مع هتلر، وعلى الألمان أن يتحملوا مسئوليتهم من ذلك، ولا يحاولوا إعادة دولة بسمارك، وإلا تسببوا في فناء البشرية، كما كانوا منذ عام 1933م سببا في تعاستها.
وفي هذا الصدد ينبغي أن نعود إلى الرأي الذي عرضه ياسبرز في كتاب آخر ظهر بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، هو «الذنب الألماني». في هذا الكتاب يفرق ياسبرز بين مفهومين رئيسيين متعلقين بفكرة الذنب؛ فهناك الخطأ الأخلاقي والجريمة من جهة، والمسئولية السياسية من جهة أخرى، أما الخطأ الأخلاقي فلا يمكن أن ينسب إلا إلى عدد قليل من الألمان، والجريمة بالذات لم يقترفها إلا عدد قليل جدا منهم! وأما المسئولية السياسية فشيء يختلف عن ذلك كل الاختلاف، «فمن كان يعيش في بلد، ولم يهاجر بحيث لا يعود متضامنا مع الدولة، ومن لم يتصد لمنع الجريمة في هذا البلد مسئول سياسيا، ويجب أن يتحمل تبعات مسئوليته مع المذنبين الآخرين.» وإذن فعلى الألمان أن يتحملوا انقسامهم بوصفه نتيجة ضرورية لمسئوليتهم السياسية عن العهد النازي.
فإعادة التوحيد إذن مطلب ثانوي نسبي، أما الحرية فهي المطلب المطلق، وإذا لم يكن ثمة مفر من الاختيار بين الأمرين، فإن للحرية الأولوية دون أدنى شك، ومع ذلك فإن الألمان في رأي ياسبرز يحتاجون إلى مران طويل على الحرية؛ لأنهم اعتادوا الاستبداد وأيدوه طويلا، وقد أورد ياسبرز في كتابه نص محادثة عجيبة دارت بينه وبين أحد المسئولين الأمريكيين، سأله فيها هذا الأخير عن رأيه في إدخال نظام برلماني في ألمانيا بعد الحرب مباشرة، فكان من رأي ياسبرز أن الحرية ينبغي أن تمنح بالتدريج لشعب لا يقدرها ولم يعتدها بعد، وأن الحرية المفاجئة قد تؤدي إلى هدم بذور الحرية الأولى في نفس هذا الشعب، بينما كان رد الأمريكي (الذي وجدها فرصة لا تعوض) هو أن الأمريكيين لا يستطيعون الانتظار طويلا في منح الحرية؛ لأن هذا «ضد مبادئهم» (ص103-105).
ويلخص ياسبرز موقفه في هذا الصدد فيقول: «لو تعاونا دون قيد أو شرط مع الغرب بأكمله - تحت السيطرة الفعلية لأمريكا - لأمكننا أن نضمن الحرية السياسية الداخلية، وأن نضمن كذلك أمنا نسبيا، هو الوحيد المتاح لنا في الموقف العالمي الراهن؛ فالحد من سيادتنا هو شرط بقائنا، وهو وحده الذي يحمينا من روسيا، وكذلك من القوى التي تفجرت داخلنا أيام حكم هتلر» (ص111). ومن هنا كان ياسبرز يعارض الأصوات التي دعت - من بين صفوف اليمين ذاته - إلى وقوف أوروبا ضد أمريكا، أو استقلالها عنها مثل ديجول، ويتخذ من أديناور في تهالكه على أمريكا مثلا أعلى له.
والحق أن الضجة التي أثارتها آراء ياسبرز هذه إنما تدل على أنه برغم خضوعه الذليل للغرب ولأمريكا بالذات، التي يؤكد أنها هي مصدر نعمة ألمانيا الغربية («أننا في ألمانيا الغربية أحرار بفضل كرم المنتصرين لا بفضلنا نحن»)؛ برغم هذا كله، لم يستطع أن يحظى باحترام مواطنيه أنفسهم، حتى لقد علق مراسل إحدى الصحف على آرائه بقوله: «لقد أطلق كارل ياسبرز في مقابلته التليفزيونية قوى المعارضة الساخطة من الأحزاب والمنظمات السياسية والجرائد اليومية في الجمهورية الاتحادية، والواقع أن خروشوف نفسه لم ينجح أبدا في أن يثير ضده مظاهرة إجماعية كهذه!»
تلك المقارنة بينه وبين خروشوف - الخصم الأكبر لألمانيا الغربية في ذلك الحين - ليست مجرد مبالغة كلامية، بل هي تحمل دلالة ضمنية عميقة، هي الفرق بين الاحترام الذي يلقاه الخصم العنيد المتمسك بموقفه، والازدراء الذي يقابل به النصير حين يكون متهالكا متداعيا، «ملكيا أكثر من الملك». ألم يصل حقد ياسبرز إلى حد التفكير في أمور لا تجلب عليه سوى السخرية والازدراء؟ لقد أعرب مثلا عن خوفه من أن تؤدي قلة الأيدي العاملة في ألمانيا الشرقية (التي يسميها دائما بالمنطقة المحتلة أو ما شابه ذلك من الأسماء) إلى قيام الروس بجلب عدة ملايين من الصينيين للعمل فيها، فيكون في ذلك أيضا حل لمشكلة زيادة السكان في الصين (ص129). •••
إن مشكلة ياسبرز الكبرى في هذا الصدد هي أنه - برغم كل قدراته الفكرية التحليلية - لم يحاول لحظة واحدة أن يتوقف ليسائل نفسه عن معنى «الحرية» السائدة في العالم الغربي، ولم يبذل أي جهد لتحليل هذا المفهوم، وهو الذي كتب من الصفحات ألوفا مؤلفة في تحليل مفاهيم أقل أهمية بكثير من هذا المفهوم الحيوي. حقا إنه حلل معنى الحرية في مواضع أخرى، ولا سيما في كتابه الأكبر «الفلسفة»، ولكن ما كان يعنيه عندئذ كان الحرية الوجودية، التي هي جزء من كيان الإنسان، لا الحرية السياسية أو الاجتماعية التي يكتسبها بعض الناس ويفقدها البعض الآخر، والتي يحتاج بلوغها إلى جهد وكفاح.
ولم يحاول ياسبرز أن يتجاوز نطاق الحرية الشكلية الظاهرية في العالم الغربي لينفذ إلى العوامل الخفية المعقدة التي تتحكم في تشكيل الرأي العام الغربي دون وعي منه، بحيث يبدو هذا الرأي العام معبرا عن نفسه وهو في حقيقة الأمر يردد آراء القوى الخفية التي تتحكم في الصحافة والإذاعة ووسائط التعبير المختلفة، عن طريق الإعلان والسيطرة المالية والإدارية.
لم يحاول ياسبرز أن يقارن بين حرية الغرب المزعومة داخل بلاده، وبين استعباده للشعوب المستعمرة، واستنزافه لموارد الشعوب شبه المستعمرة، ولم يرتفع له صوت يندد بهذا النوع من العبودية والاسترقاق، بل إن بكاءه كله لم ينصب إلا على «مواطنيه في الشرق»!
Bilinmeyen sayfa