Felsefi Görüşler Çağın Krizinde
آراء فلسفية في أزمة العصر
Türler
7 (1-6) القوة أو الابتكار
ثم القوة، وما أدراك ما هي! إننا حينما نحاول أن نكون حساسين، متقدمين، محبين، متسامحين، ينشأ على الفور سؤال لا نرتاح إليه: ألا يتوقف المجتمع كله على القوة؟ فإذا كانت الحكومة لا تعتمد على الشرطة والجيش، فكيف تأمل أن تستطيع الحكم؟ وإذا كان الفرد يقرع على رأسه أو يزج به في معسكر العمل، فأية أهمية إذن تكون لآرائه؟
ولا تحيرني هذه المشكلة كما تحير غيري؛ فأنا أدرك أن المجتمع كله يتوقف على القوة. غير أن كل الأعمال الخلاقة، وكل العلاقات الإنسانية المهذبة، تقع في الفترات التي لا تكون فيها القوة في الطليعة. وهذه الفترات هي التي لها أهميتها، وأريدها أن تتكرر وأن تطول بقدر الإمكان، وأسميها «الحضارة». ومن الناس من يجعل من القوة مثلا أعلى ويجعل لها الصدارة ويقدسها، بدلا من أن يجعلها في المؤخرة ويبقيها هناك ما استطاع. وأعتقد أن هؤلاء الناس مخطئون، كما أعتقد أن المتصوفين - الذين يناقضونهم في الرأي - أشد منهم خطأ حينما يعلنون أن القوة ليس لها وجود؛ فأنا أعتقد أنها موجودة، وأن من واجبنا أن نمنعها من أن تخرج من مكمنها، ولكنها تخرج عاجلا أو آجلا؛ وحينئذ تدمرنا وتدمر كل شيء جميل نكون قد صنعناه. بيد أنها لا تخرج دائما لحسن الحظ لأن الأقوياء أغبياء.
هذا ما أحسه إزاء القوة والعنف. غير أن القوة - ويا للحسرة - هي الحقيقة النهائية فوق هذه الأرض، ولكنها لا تصل دائما إلى مكان الصدارة. ومن الناس من يسمي فترات اختفائها ب «عهود التدهور»، أما أنا فأسميها «الحضارات»، وأجد في أمثال هذه الفترات ما يبرر التجربة الإنسانية أساسا. وإني لأتجه نحو هذه الفترات حتى يصدمني القدر. ولست أدري إن كان مرد ذلك عندي إلى الشجاعة أو إلى الجبن. غير أني على يقين من أنه لولا انصراف بعض الناس في الماضي عن اتجاه القوة، لما تحدر إلينا أي شيء مما يصح أن تكون له قيمة. إن الناس الذين أوليهم أكبر قسط من احترامي هم أولئك الذين يسلكون مسلك المخلدين، وينظرون إلى المجتمع كأنه أبدي. وكلا الغرضين على خطأ، ولا بد من قبولهما كليهما باعتبارهما حقيقتين ثابتتين لو أردنا أن نواصل الغذاء والعمل والمحبة، وإن أردنا أن نستبقي بعض نوافذ الروح البشرية مفتوحة تخرج منها الأنفاس، وليس من المحتمل أن يهبط على البشرية عهد سعيد، ولن تقام عصبة للأمم أفضل وأقوى، ولن يجلب للعالم سلاما وللفرد كمالا أي ضرب من ضروب المسيحية أو أي دين آخر يحل محلها. إن «قلب الإنسان» لن يتغير، ولكنا لا ينبغي لنا برغم هذا أن نيئس، بل إنا لا نستطيع أن نيئس، فإن التاريخ يثبت لنا أن الناس كانوا دائما يصرون على أن يبدعوا ويبتكروا والسيف مصلت فوق الرءوس، وأنهم أدوا واجبهم الفني والعلمي والعائلي مجردين عن الغرض والهوى، وأنه من الخير لنا أن نحذو حذوهم برغم الطائرات التي تئز فوق رءوسنا. وهناك غيري من الناس أقوى بصيرة وأشد شجاعة يرون خلاص البشرية ماثلا أمام أعينهم، ويرون في تصوري للحضارة تفاهة رأي، ومراوغة للفرار والهروب.
وليس من شك في أن من المبالغة في الرأي أن نقول باستحالة التحسن في النفوس، أو أن نعتقد أن الإنسان الذي لم يتملك القوة إلا بضعة آلاف من السنين لن يتعلم كيف يقيد من قوته. وكل ما أعنيه أن الناس إذا استمروا في التقاتل كما يفعلون فلن يتحسن العالم عما هو عليه، وأنه ما دام هناك عدد من الناس أكثر مما سبق، وما دامت وسائل تدميرهم لأنفسهم أفتك مما كانت، فإن الدنيا لا بد أن تنحدر إلى الأسوأ. أما ما هو خير عند الناس، وما هو خير بالتالي في هذه الدنيا، فهو إصرارهم على الابتداع، واعتقادهم في الصداقة والولاء منزهين عن الأغراض والأهواء. وبالرغم من أن «العنف» لا يزال بالفعل أعظم شريك لنا في هذا العالم المضطرب، فإني أعتقد أن الابتداع لا يزال كذلك - وسيظل أبدا - قوة كامنة تطفو على السطح كلما هبط العنف إلى القاع؛ ومن ثم فإنه بالرغم من أني لست من المتفائلين إلا أني لا أستطيع أن أتفق مع سوفوكليز في رأيه بأنه كان من الأفضل للإنسان ألا يولد. وبالرغم من أني لا أرى دليلا على أن المواليد الجدد يفضلون المواليد الذين سبقوهم - شأني في ذلك شأن هوراس - إلا أني أهيئ الفرصة لنظرة أشد تفاؤلا. إن هذه اللحظة التي نعيش فيها من أشق اللحظات، وليس بوسع المرء إلا أن يكتئب، وأن ترتعد فرائصه ذعرا ورعبا، وربما لا يسعه أيضا إلا أن يكون قصير النظر.
8 (1-7) الاعتقاد في أرستقراطية الحساسين
إننا في بحثنا عن طريق للخلاص ربما اتجهنا نحو عبادة الأبطال، ولكنا لن نجد، فيما أحسب، سبيلا للخلاص في هذا الاتجاه. إن عبادة الأبطال رذيلة خطرة، ومن المزايا الثانوية للديمقراطية أنها لا تشجعها، أو تعمل على إيجاد ذلك النوع من المواطن الذي نسميه «الرجل العظيم»، بل إن الديمقراطية ، على نقيض ذلك، تعمل على إيجاد أنواع مختلفة من صغار الناس بدلا من ذلك الرجل العظيم، وهو عمل أسمى كثيرا. بيد أن الناس الذين لا يستطيعون أن يأبهوا بتنوع الحياة، ولا يستطيعون أن يكونوا لأنفسهم رأيا خاصا، لا يرضيهم ذلك، ويتشوقون إلى بطل يخرون له راكعين ويتبعونه غير مبصرين. ومما له دلالة أن البطل جزء لا يتجزأ من النظام التحكمي الذي ذاع في هذه الأيام؛ فالنظام الذي يعتمد على إبراز الكفايات لا يمكن أن يسير بغير بضعة أبطال يبرزون في المجتمع لكي يزيلوا عنه أثر الغباء، وكأنهم الفاكهة التي ندسها في الطعام الفاسد لكي نجعله مستساغا. في هذا النظام يتصدر بطل من الأبطال وعن يمينه وعن يساره بطلان آخران أصغر منه شأنا. ويعتبر هذا النظام أمرا مستحبا. ويطمئن إلى هذا الثالوث الجبان والسئوم، وينحني احتراما له، ويشعر بالقوة والتسامي.
ولكني لا أثق في «عظماء الرجال»؛ فهم يخلقون حولهم جماعة متكررة متشابهة، وكذلك بركة من الدماء في كثير من الأحيان. وأحس دائما بما يحسه رجل صغير الشأن حينما أراهم يسقطون، ولكني برغم هذا أومن بالأرستقراطية، إذا كانت هذه هي الكلمة الصحيحة، وإذا جاز لرجل ديمقراطي أن يستعملها. غير أنها ليست أرستقراطية القوة التي ترتكز على علو المرتبة والنفوذ، ولكنها أرستقراطية الحساسين، وأولئك الذين يراعون شعور غيرهم، وكل مقدام جسور. وإنك لتجد أعضاء هذه الأرستقراطية في جميع الأمم وبين جميع الطبقات، وفي كل العصور، وإن بينهم لتفاهما خفيا كلما تلاقوا، إنهم يمثلون التراث الإنساني الصادق، والنصر الوحيد الدائم لهذا الجنس البشري الغريب الذي ننتمي إليه على أسباب القسوة والفوضى. وإن آلافا منهم لتهلك في غمرة النسيان، وقل منهم من يظفر باسم عظيم. وهؤلاء حساسون إزاء أنفسهم، كما هم حساسون إزاء غيرهم ، وهم يحافظون على مشاعر الناس دون أن يكونوا سببا في ضيقهم. وليست شجاعتهم اختيالا، ولكنها قدرة على الاحتمال. وهم يستطيعون أن يتقبلوا الفكاهات، وكم من مرة أدرك أصحاب السلطان قيمتهم فتصيدوهم واستغلوهم، كما كان كهنة قدماء المصريين، أو رجال الكنيسة المسيحية ، أو الموظفون المدنيون في الصين، أو الحركات الجماعية، أو غير ذلك من الطرق العجيبة، ولكنهم كانوا دائما ينفذون من خلال ما نصب لهم من شباك ويلوذون بالفرار. وعندما تغلق أبواب المصايد لا تراهم في بطونها؛ فمعبدهم، كما قال أحدهم، هو «قداسة المحبة القلبية»، ومملكتهم، التي لا يملكونها أبدا، هي العالم الفسيح.
ومع وجود هذا النوع من الناس ضاربا في الأرض ومعترضا طريقنا دائما إذا كانت لنا عيون ترى، وأيد تحس، لا يمكن أن نحكم على تجربة الحياة فوق هذا الكوكب بالفشل الذريع. وبوسعنا أن نرحب بهذه التجربة باعتبارها مأساة فحواها أننا عجزنا عن إيجاد وسيلة نستطيع بها أن ننقل هذه المزايا الفردية إلى الشئون العامة؛ ذلك أنه عندما يظفر الناس بالنفوذ تراهم يسيرون على عوج وينحرفون أحيانا؛ لأن الاستيلاء على السلطة يرفعهم إلى منطقة لا يجدي فيها الإخلاص الذي يعرفه الناس. إن مخلص البشرية في المستقبل، إذا كتب له الظهور، لن يبشر بدين جديد، ولن يخرج عن مجرد استغلال هذه الأرستقراطية التي أشرت إليها، وسوف يجعل إرادة الخير والمزاج الطيب الكامن فعلا في النفوس ذا أثر وذا قوة.
إن ما تقدم هو آراء رجل يؤمن بالفردية وبالحرية، وجد الحرية مداسة تحت الأقدام، فأحس أولا بالخجل، ثم تطلع حواليه، وقرر أنه ليس ثمة سبب يدعو إلى الخجل ما دام غيره من الناس، مهما تكن أحاسيسهم، يشعرون كما يشعر بعدم الاطمئنان. أما عن الفردية، فلست أرى مهربا منها، حتى إن أردت ذلك. يستطيع البطل الدكتاتور أن يسحق مواطنيه حتى يصبح كل منها شبيها بالآخر، ولكنه لا يستطيع أن يصهرهم في رجل واحد؛ فإن ذلك فوق طاقته. يستطيع أن يأمرهم بالانغماس، ويستطيع أن يحثهم على التلاشي في الجماعة، ولكنهم يولدون منفردين رغما عنهم، ويموتون منفردين. ونظرا لأن كلا منهم محدود الطرفين، ولا يستطيع أن يتجنبهما، فإنه لا بد أن يخرج دائما عن الخط الدكتاتوري المرسوم. إن ذكرى الميلاد وتوقع الموت تكمن دائما في نفس الإنسان، وتفصله عن غيره؛ ومن ثم تجعله قادرا على تبادل الرأي معهم. لقد أتيت إلى هذه الدنيا عاريا، وسوف أخرج منها عاريا! وهو أمر جميل حقا؛ لأنه يذكرني بأني عار تحت قميصي مهما يكن لونه.
Bilinmeyen sayfa