Felsefi Görüşler Çağın Krizinde
آراء فلسفية في أزمة العصر
Türler
2
إذا كنا نود أن نفلح في مجابهة هذا الزمان، فلا بد لنا من الجمع بين الاقتصاد الحديث والأخلاق القديمة. إن مبدأ الحرية الاقتصادية لا يتمشى مع العالم المادي؛ فهو الذي أدى إلى السوق السوداء وأدغال الرأسمالية. ولا مناص لنا من التخطيط، وإلا ما وجدت ملايين الناس لها مأوى أو مأكلا؛ في حين أن مبدأ الحرية هو المبدأ الوحيد الذي يتمشى مع عالم الروح؛ فأنت إن أردت أن تخطط للناس عقولهم وتسيطر عليها فلا بد لك من إصابتها بالشلل، ولا محيص لك من الرقابة والشرطة السرية، وهذا هو الطريق إلى العبودية ومجتمع العبيد. إن أولئك الذين يخططون اقتصادنا يضحكون منا أحيانا حينما نخشى الاستبداد الدكتاتوري الذي ينجم عن جهودهم، أو قل إنهم يسخرون منا، وهناك علاقة سحيقة الغور بين التخطيط والسخرية على علماء النفس أن يكشفوا سرها ، ولكن الخطر الذي لا يولونه اعتبارا خطر حقيقي. إنهم يؤكدون لنا أن الاقتصاد الحديث سوف يخلق سلوكا خلقيا ملائما، وأن الناس حينما يجدون جميعا المأوى والطعام الملائم سوف تتكون لديهم نظرة ما تكون هي الصحيحة لأنهم الشعب، ولكني لا أستسيغ هذا الزعم. وليس عندي إيمان صوفي بالشعب، إنما عندي إيمان بالفرد. إنه في نظري عمل سماوي، وأنا لا أثق بأية نظرية تحط من شأنه. وإذا وصفك إنسان بأنك لست إلا فردا قليل الشأن حقيرا - وقد وصفت بهذا فعلا - فلا تتقبل ذلك راضيا، إنما أنت من الأهمية بمكان؛ لأن كل من سواك فرد كذلك، بمن فيهم ذلك الذي يوجه إليك نقده، وأنت عندما تثبت شخصيتك إنما تؤيد حزبك.
هذا إذن هو الشعار الذي أواجه به - ولو إلى حد ما - تحدي زماننا. إننا بحاجة إلى الاقتصاد الجديد مع السلوك الخلقي القديم. نريد التخطيط للأبدان ولا نريده للأرواح. ولكن هذه هي المشكلة: أين ينتهي البدن وتبدأ الروح؟ كانوا في العصور الوسطى يرسمون خطا واضحا يفصل بينهما، وكان الناس طبقا لنظرية العصور الوسطى أيام الإمبراطورية الرومانية المقدسة يعطون أبدانهم لقيصر وأرواحهم لله. غير أن هذه النظرية عجزت عن التطبيق؛ فالإمبراطور الذي كان يمثل قيصر اصطدم في الواقع مع البابا الذي كان يمثل المسيح. ونحن نجد أنفسنا في أزمة شبيهة بهذا اليوم. هب أنك ترسم سياسة لتوزيع الأطعمة توزيعا عالميا، فأنت لا تستطيع ذلك دون أن ترسم سياسة عالمية للسكان، ولا تستطيع ذلك دون أن تتحكم في عدد المواليد وتتدخل في حياة الأسرة. ولا بد لك من الإشراف على الأبوة والأمومة، وأنت حينئذ تتعرض لمملكة الروح، والعلاقة الشخصية، بالرغم من أنك ربما لم تعتزم ذلك. ولا مناص لك من أن تعود مرة أخرى لذلك الحكم الذي لا مفر منه، وهو مزاجك الخاص؛ فهل أنت إذا حدث تعارض في المبادئ تؤثر الفرد على حساب الجماعة كما أوثر؟ أو هل تؤثر العدالة الاقتصادية للجميع على حساب الحرية الشخصية؟
وكثيرا ما يحدث هذا التعارض في المبادئ، وهذا الانشقاق في ولاء المرء، في عهد انقلابي كالعهد الحاضر.
3 (1-3) النظام والفن للفن
المفروض في الواقع أن أتكلم من وجهة نظر الفنان الخالق. وسوف تدركون ما لا بد أن ينتاب الكاتب - الذي يهم كذلك الرجال والنساء والريف - من مشاعر في عالم اليوم. لا شك أنه لا يشعر بالطمأنينة، وهو أحيانا بائس مجروح الكرامة، ولكنه موقن بأن تطورا مرسوما لا بد أن يحدث إذا أردنا للعالم ألا ينحل، كما أنه يأمل أن يوجد في الاقتصاد الحديث مجال للعلاقات الإنسانية؛ ولذلك النشاط الذي لا يلقى تقديرا، والذي يسمونه بالفن. ماذا ينبغي للكاتب، أو الفنان، أن يفعل عندما يواجه تحدي هذا الزمان؟ عليه بإيجاز أن يعبر عما يريد، لا عما تطلب إليه سلطات التخطيط أن يعبر عنه؛ عليه أن يفرض على نفسه نظاما، لا أن يتقبل هذا النظام من الخارج. وقد يستهدف هذا النظام الجمال، ولا يستهدف الاجتماع أو الأخلاق، وقد يريد أن يمارس الفن للفن. ولطالما استعمل هذا التعبير استعمالا سيئا فأثار ابتسامات السخرية، ولكنه تعبير عميق المعنى. إنه يشير إلى أن الفن انسجام في حدوده الذاتية. للفن قيمته، لا لأنه تربوي (بالرغم من أنه قد يكون كذلك)، ولا لأنه مجدد للقوى (بالرغم من أنه قد يكون كذلك)، ولا لأن كل إنسان يستمتع به (لأن هنالك من لا يستمتعون به)، بل حتى لا لأنه يتعلق بالجمال، إنما للفن قيمته لأنه يتعلق بالنظام، ويخلق لنفسه عوالم صغيرة، فيها انسجام داخلي، في عقر هذا الكوكب الذي يتسم بالفوضى.
4
وأود أن أتصدى الآن لفكرة النظام. ولهذه الفكرة أهميتها في دعواي، وأريد هنا أن أستطرد في الكلام، وأنظر إلى النظام في الحياة اليومية، قبل أن أتعرض للنظام في الفن.
في عالم الحياة اليومية، العالم الذي نقطنه بالرغم منا، كثيرا ما يتحدث الناس عن النظام، وبالأخص رجال الدولة ورجال السياسة منهم. ولكنهم يميلون إلى الخلط بين النظام والأوامر، كما يخلطون بين الابتكار والقاعدة. والنظام في رأيي شيء يتطور في الداخل، وليس شيئا يفرض من الخارج. إنه استقرار داخلي وانسجام حيوي، ولم يوجد قط في المجال السياسي والاجتماعي إلا للتيسير على المؤرخين. وليس الماضي حقا - إذا نظرنا إليه نظرة واقعية - إلا سلسلة من الحوادث غير النظامية، يتلو أحدها الآخر طبقا لقواعد يمكن اكتشافها من غير شك. وتتميز قطعا باطراد الزيادة في تدخل الإنسان، ولكنها برغم هذا كله لا تعدو أن تكون سلسلة من الحوادث غير النظامية؛ ولذا فإن ما أرجوه اليوم - ككاتب - هو نوع من عدم النظام يكون أكثر صلاحية للفنانين من النظام الحالي، ويمدهم بمصادر للوحي أوفى، وبظروف مادية أفضل. وانعدام النظام هذا لن يدوم - فإن شيئا لا يدوم - غير أن بعض ضروب عدم النظام في الماضي كان لها بعض المزايا، كما كان في أثينا القديمة مثلا، وفي إيطاليا لعهد النهضة، وفي فرنسا في القرن الثامن عشر، وفي بعض عهود الصين وفارس، وقد نستطيع أن نقوم بعمل ما لكي نتعجل الفترة التالية. ولكن دعنا لا نتجه بقلوبنا مرة أخرى إلى حيث لا توجد أسباب الفرح الحقيقية. لقد وعدنا نظاما جديدا بعد الحرب العالمية الأولى يتحقق عن طريق عصبة الأمم. غير أن الوعد لم يتحقق، وليست عندي ثقة في الوعود القائمة، أيا كان من يؤيدها، فإن العدوان الصارم للعلم يأبى علينا هذا. ولا نستطيع أن نبلغ الاستقرار الاجتماعي والسياسي لأنا لا نكف عن الكشف العلمي وعن تطبيقه؛ ومن ثم فنحن لا نكف عن تدمير النظم التي أقيمت على أساس مكتشفات سابقة أشد بساطة. ولو أن العلم يكتشف ولا يطبق - أو بعبارة أخرى، لو أن الناس كانوا بالعلم أشد منهم شغفا بالقوة - لكانت البشرية في موقف أكثر أمنا وأشد طمأنينة، ولكان الاستقرار الذي يتحدث عنه رجال الحكومات شيئا ممكنا، ولأمكن إيجاد نظام جديد يقوم على أساس الانسجام الحيوي، ولاقترب العصر السعيد المرتقب فوق هذا الكوكب. بيد أن العلم لا يبدي أية علامة تدل على ذلك. ولقد أعطانا آلة الاحتراق الداخلي، وقبل أن نهضمها ونتمثلها بكثير من المشقة في نظامنا الاجتماعي، أمكنه استغلال الذرة، وحطم كل نظام جديد كان من المتوقع ظهوره ، فكيف يستطيع الإنسان أن ينسجم مع ما يحيط به، في حين أنه لا يفتأ يتناوله بالتغيير والتبديل؟!
وأود أن أؤكد أن النظام في الحياة اليومية وفي التاريخ، أو النظام في المجال الاجتماعي والمجال السياسي، لا يمكن تحقيقه في ظل الظروف النفسية الحاضرة.
Bilinmeyen sayfa