Felsefi Görüşler Çağın Krizinde
آراء فلسفية في أزمة العصر
Türler
4 (1-3) العلم والمجتمع
يؤثر العلم في شئون الناس عن طريقين؛ أولهما مألوف لكل منا؛ فالعلم يقدم بطريق مباشر، وإلى درجة أكبر بطريق غير مباشر، المعينات التي قلبت حياة الإنسان رأسا على عقب. أما الطريق الثاني فتربوي في طبيعته، فهو يفعل في العقل فعله. وهذا الطريق الثاني قد لا يكون في وضوح الأول عند النظرة العابرة، غير أنه لا يقل عنه عمقا وبعدا.
إن أوضح أثر عملي للعلم هو أن يمكننا من تدبير أشياء تجعل الحياة غنية بالرغم من أنها تعقدها في الوقت عينه - وهي مخترعات كالآلة البخارية، والقاطرة، والقوى الكهربية والضوء الكهربي، والتلغراف، والراديو، والسيارة، والطائرة، والديناميت ... إلخ. ويجب أن نضيف إلى هذه القائمة ما حققته البيولوجيا وعلم الطب في مجال الاحتفاظ في الحياة، وبخاصة ما أنتجناه من مخففات الآلام ووسائل تخزين الطعام وحفظه. وفي رأيي أن أعظم فائدة عملية تقدمها كل هذه المخترعات للإنسان، هي أنها تحرره من الجهد العضلي الشاق الذي كان لا غنى له عنه لكي يحتفظ بمجرد البقاء. وإذا استطعنا أن نزعم أننا قد ألغينا الرق، فإنما يرجع ذلك إلى نتائج العلم العملية.
ومن ناحية أخرى نجد أن التكنولوجيا - أو العلم التطبيقي - قد خلقت للإنسان مشكلات خطيرة عميقة. ويتوقف بقاء الإنسان نفسه على إيجاد حل ملائم لهذه المشكلات. ويتعلق الأمر بابتداع نوع من النظم والتقاليد الاجتماعية لا مناص لهذه الآلات الجديدة بدونها من أن تجلب للبشرية أشد الكوارث.
إن وسائل الإنتاج الآلية في حالة اقتصادية لا نظام فيها أدت إلى أن جانبا لا يستهان به من الناس لم يعد مطلوبا لإنتاج السلع، وهؤلاء من أجل ذلك يستبعدون من الدورة الاقتصادية. والنتائج المباشرة لذلك هي إضعاف قوة الشراء وهبوط قيمة العمل نظرا لحدة المنافسة. ويؤدي ذلك - في فترات تزداد تدريجيا في قصر مداها - إلى شلل خطير في إنتاج السلع. ومن ناحية أخرى نجد أن ملكية وسائل الإنتاج تحمل في ثناياها سلطة ليس في وسائل الحماية التقليدية في نظمنا السياسية ما يقابلها، ويجد الإنسان نفسه إزاء نضال لا مفر له منه لكي يكيف نفسه لهذه الظروف الجديدة - وهو نضال قد يؤدي إلى التحرير حقا، إذا برهن أبناء هذا الجيل على أنهم أكفاء لأداء هذا الواجب الذي وقع على كواهلهم.
وكذلك قربت التكنولوجيا المسافات، وأوجدت وسائل للتدمير جديدة فعالة لم يعهد مثلها الإنسان من قبل، وهي وسائل - إن وضعت في أيدي أمم تطالب بحرية العمل لا تخضع لقيد - تصبح تهديدا للأمن، بل ولبقاء الجنس البشري نفسه. ويتطلب هذا الموقف سلطة قضائية وتنفيذية موحدة لهذا الكوكب بأسره. وتقف التقاليد القومية عقبة كأداء في سبيل إنشاء هذه السلطة المركزية. ونجد أنفسنا هذا أيضا وسط معركة سوف تحدد نهايتها مصيرنا جميعا.
وأخيرا فإن وسائل المواصلات ، وتيسير الطباعة والنشر، والراديو، إذا اتحدت بالأسلحة الحديثة، جعلت بالإمكان أن يوضع الجسم والروح تحت السيطرة التامة للسلطة المركزية - وهنا مصدر ثالث من مصادر الخطر على البشرية. وتدل ضروب الاستبداد الحديثة وآثارها المدمرة دلالة واضحة على مدى بعدنا عن استغلال هذه الأدوات استغلالا منظما لمصلحة البشر. وهنا أيضا نجد أن الظروف تتطلب حلا دوليا، مع العلم بأن الأساس السيكولوجي لهذا الحل لم يوضع بعد.
ولننظر الآن في الآثار العقلية التي تنجم عن العلم. لم يكن بالإمكان في العصور السابقة أن يصل الإنسان - عن طريق الفكر وحده - إلى نتائج يمكن للبشر جميعا أن يقبلوها باعتبارها أكيدة ولازمة. وأقل من ذلك احتمالا أن يؤمن الناس بأن كل ما يقع في الطبيعة يخضع لقوانين ثابتة لا تتغير.
فإن النظر إلى القانون الطبيعي من زاوية واحدة - كما كان ينظر إليه الإنسان البدائي عند الملاحظة - أباح نمو العقيدة في الأشباح والأرواح؛ ومن ثم فإن الإنسان البدائي حتى اليوم يعيش في ذعر دائم من تدخل القوى غير الطبيعية التحكمية في مصيره.
إن مزايا العلم الأبدية أنه استطاع بتأثيره في العقل البشري أن يتغلب على شعور الإنسان بالخوف من نفسه ومن الطبيعة؛ فلقد استطاع الإغريق باختراعهم مبادئ علوم الرياضة أن ينشئوا طريقة للتفكير لا يمكن لأحد أن يغير من نتائجها، ثم اخترع علماء النهضة بعد ذلك المزج بين التجربة المطردة والطريقة الرياضية. وقد أمست الدقة في صياغة القوانين الطبيعية والتيقن بالاختبار من صحتها - بهذا المزج - ممكنة، حتى لقد نجم عن ذلك أنه لم يعد مجال لخلاف أساسي في الرأي فيما يتعلق بعلوم الطبيعة. ومنذ ذلك الحين أخذ كل جيل يبني على أساس ما ورث من علم ومعرفة، دون التعرض لأدنى خطر من أزمة قد تقوض البناء بأسره.
Bilinmeyen sayfa