Felsefi Görüşler Çağın Krizinde
آراء فلسفية في أزمة العصر
Türler
كما أنا قد أدركنا كذلك أخيرا أهمية بعض المدنيات الأخرى باعتبارها مسهمة في بناء ماضينا. وهي مدنيات لم تنطفئ شعلتها فحسب، ولكنها اختفت في زوايا النسيان قبل أن ننبش أطلالها. من اليسير علينا أن نسخو في اعترافنا بفضل المانوية والحيثيين والسومريين. ولقد كان الكشف عن هذه الحضارات زينة في صفحات الباحثين الغربيين، كما أنها عادت إلى الظهور على مسرح التاريخ تحت إشرافنا ورعايتنا.
وأشق على نفوسنا من ذلك أن نعترف بحقيقة ليست أقل من هذه وضوحا، وهي أن التاريخ القديم لمعاصرينا الأحياء الذين يضجون بالصياح، والذين يتعرضون أحيانا للقذف والطعن، وأعني بهم الصينيين واليابانيين والهولنديين والمسلمين، وإخواننا الكبار من المسيحيين الأرثوذكس - هذا التاريخ القديم سوف يصبح جزءا من تاريخنا الغربي القديم في عالم مقبل لن يكون غربيا ولا شرقيا، ولكنه سوف يرث كل الثقافات التي مزجنا بينها جميعا نحن أبناء الغرب في بوتقة واحدة. بيد أن هذه هي الحقيقة الناصعة حين نواجهها. إن أبناءنا الذين سيخلفوننا لن يكونوا مجرد غربيين مثلنا، بل سوف يكونون وارثين لكنفشيوس ولاوتي، كما يرثون سقراط وأفلاطون، سيكونون ورثة لجوتاما بوذا كما هم ورثة لأشعياء ويسوع المسيح، ورثة لزرادشت ومحمد كما هم ورثة لإليشع وإيليا وبطرس وبولس، ورثة لشنكارا ورامانوجا كما هم ورثة لكلمنت وأوريجن، ورثة لآباء كبادوشيا التابعين للكنيسة الأرثوذكسية كما هم ورثة لأغسطين الأفريقي وأمبريان بندكت، ورثة لابن خلدون كما هم ورثة بوسويه، ورثة للنين وغاندي وصن يات كما هم ورثة لكرمويل وجورج واشنطن ومازيني (إذا بقينا متمرغين في حمأة السياسة).
إن إعادة تشكيل النظرة التاريخية تتطلب ما يناظرها من إعادة النظر في طرق دراسة التاريخ. دعنا - لو استطعنا - نعد التمسك بطريقة عتيقة في التفكير والشعور، فنعترف - في تواضع جم - بأن ما أنجزه أبناء الغرب فيما مضى من التاريخ كان - بقدرة الله - عملا لا يتعلق بهم فحسب، وإنما يتعلق بالبشرية كلها، عملا بلغ من الضخامة أن تبتلع نتائجه تاريخنا الإقليمي. إننا بصنع التاريخ نتجاوز حدود التاريخ. لقد انتهزنا الفرصة التي سنحت لنا دون أن نعلم ماذا نحن صانعون. ولأن يسمح للمرء بأن يحقق إرادته بتساميه فوق ذاته لميزة جليلة لأي مخلوق من مخلوقات الله.
بهذه النظرة إذن - وهي نظرة متواضعة ولكنها برغم ذلك تدعو إلى الزهو أيضا - نرى أن القوة الرئيسية لتاريخنا الغربي الحديث لا تنحصر في الحوادث السياسية المحلية لمجتمعنا الغربي كما نراها منقوشة فوق أقواس النصر المقامة في بعض عواصم إقليمية، أو مدونة في السجلات الوطنية والبلدية ل «الدول الكبرى» ذات العمر المحدود، بل إن القوة الرئيسية لتاريخنا الغربي ليست في امتداد الغرب فوق أنحاء المعمورة - ما دمنا نصر على أن هذا الامتداد مشروع خاص لصالح المجتمع الغربي وحده. إنما القوة الرئيسية هي في إقامة هيكل - بأيد غريبة - توحد بداخله كل المجتمعات - التي كانت منفصلة في يوم من الأيام - نفسها في بناء واحد. كانت البشرية منذ بدايتها مفككة، وقد استطعنا في الوقت الحاضر أخيرا أن نتحد. وإن العمل الغربي الذي جعل هذه الوحدة ممكنة لم يتم بأعين مفتوحة كما تمت أعمال داود الخالية من الأثرة لمصلحة سليمان، إنما تمت هذه الأعمال في جهل مطلق للغرض منها، كأنها من عمل تلك الحيوانات البحرية الصغيرة التي تبني الشعب المرجانية من قاع البحر حتى تستطيع في النهاية أن ترفع جبلا من المرجان فوق الأمواج. غير أن الهيكل الذي شيده الغرب قد أقيم من مواد أقل قدرة من هذه الشعب على البقاء. وأوضح مادة من موادها هي التكنولوجيا، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بالتكنولوجيا وحدها. ولما ينضج الوقت، حينما يقوم البيت العالمي ذو الطوابق العديدة ثابتا فوق أسسه الخاصة به وتتساقط المعينات التكنولوجية الغربية المؤقتة - ولست أشك في أن ذلك سوف يحدث - أعتقد حينئذ أنه سوف يتضح أن الأسس ثابتة في النهاية؛ لأنها تمتد إلى صخرة الدين السحيقة.
9 (1-6) ماذا نصنع لكي ننجو؟
إن المشكلات التي أحاطت بالمدنيات الأخرى وقهرتها في نهاية الأمر قد بلغت ذروتها في عالمنا اليوم. لقد اخترعنا السلاح الذري في عالم تتقسمه دولتان كبيرتان عظيمتان، وتقف كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ممثلتين لنظريتين متعارضتين بلغتا من التناقض حدا لا يمكن من التوفيق بينهما كما هما الآن؛ ففي أي طريق نلتمس النجاة في هذه الأزمة الخطيرة التي نمسك فيها بين أيدينا الخيار بين الحياة أو الموت، لا لنا وحدنا، ولكن للجنس البشري كله؟ ربما يقع طريق النجاة - كما يحدث دائما - في التماس طريق وسط، وهذا الطريق الذهبي لا يتحقق - في السياسة - بالسيادة المطلقة في الدول الإقليمية أو بحكم الاستبداد الذي لا يلين والذي تتولاه حكومة عالمية مركزية، وهو لا يتحقق - في الاقتصاد - بالمشروعات الفردية غير المقيدة أو بالاشتراكية غير المخففة.
10
وينبغي في الحياة الروحانية أن نقيم البناء الدنيوي الخارجي على أسس من الدين. إن جهودا تبذل في عالمنا الغربي اليوم لكي نشق طريقنا صوب كل من هذه الأهداف. ولو بلغنا ثلاثتها، حق لنا أن نشعر بأنا كسبنا معركتنا الحاضرة في سبيل بقاء حضارتنا. غير أن هذه الأهداف كلها فيها طموح بالغ، وتتطلب العمل الشاق والشجاعة القصوى لكي نحرز أي درجة من درجات التقدم نحو تحقيق أي منها وإبرازه إلى حيز الوجود.
وليس من شك في أن الهدف الديني من بين الأهداف الثلاثة أهمها جميعا في النهاية. بيد أنا أسرع حاجة إلى الهدفين الآخرين؛ لأنا لو فشلنا في تحقيقهما في المستقبل القريب، فربما فقدنا إلى الأبد فرصتنا في تحقيق ميلاد روحاني جديد لا يمكن أن نستنزله حينما نشاء، ولكنه لن يأتي - إذا أتى إطلاقا - إلا بخطا وئيدة تتدفق عندها أعمق تيارات الخلق الروحاني.
ولعل الهدف السياسي هو أشد الأهداف الثلاثة لجاجة. والمشكلة الحالية العاجلة في هذا الميدان مشكلة سلبية. إننا اليوم - باعتماد كل شعب من شعوبنا على غيره وبما نملك من سلاح - نقبل على أعتاب وحدة سياسية لا بد أن تتم بوسيلة ما. ولما كان الأمر كذلك، فإن علينا أن نتحاشى حدوث هذه الوحدة بصورة أليمة نلجأ فيها إلى قوة السلاح، وهي الطريقة المألوفة التي يفرض فيها بالقوة «صلح روماني»، الذي ربما كان أيسر السبل لتفادي القوى السياسية المريعة التي يقع عالمنا اليوم في قبضتها. هل تستطيع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن تتعاون مع الاتحاد السوفيتي عن طريق الولايات المتحدة؟ لو أن منظمة الأمم المتحدة نمت حتى أصبحت نظاما فعالا لحكم عالمي، لكان ذلك أفضل حل للخروج من الأزمة السياسية التي نتردى فيها، بيد أنه يجب علينا أن نحسب حساب إمكان فشل هذا المشروع، وأن نستعد - في حالة الفشل - بحل آخر نلجأ إليه. هل يمكن أن تنقسم الأمم المتحدة - في الواقع - إلى مجموعتين دون أن يتحطم السلام؟ ولو فرضنا أن وجه هذا الكوكب الأرضي كله أمكن تقسيمه سلميا إلى عالم أمريكي وآخر روسي، فهل يمكن أن يعيش عالمان جنبا إلى جنب فوق كوكب واحد متساويين، لا يستخدمان العنف ولا يتعاونان، أمدا يكفي لأن تتهيأ لهما الفرصة لكي يخف تدريجا ما بينهما من فوارق في الجو الاجتماعي والجو العقائدي؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتوقف على إمكان كسب الوقت - في هذه الظروف - الوقت الذي نحتاج إليه لكي نحقق هدفنا الاقتصادي الذي يرمي إلى إيجاد طريق وسط بين المشروعات الحرة والاشتراكية.
Bilinmeyen sayfa