فالخلق كلهم قسمان: موفق بالتثبيت ومخذول بترك التثبيت، ومادة التثبيت وأصله ومنشأه من القول الثابت وفعل ما أمر به العبد فيهما يثبت الله عبده فكل ما كان أثبت قولا وأحسن فعلا كان أعظم تثبتا، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (٢٢٧) فأثبت الناس قلبا أثبتهم قولا والقول الثابت هو القول الحق والصدق وهو ضد القول الباطل الكذب، فالقول نوعان: ثابت له حقيقة وباطل لا حقيقة له، وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها فهي أعظم ما يثبت الله بها عباده في الدنيا والآخرة، ولهذا ترى الصادق من أثبت الناس وأشجعهم قلبا والكاذب من أمهن الناس
وأخبثهم وأكثرهم تلويا وأقلهم ثباتا (٢٢٨)، وأهل الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلبه وقت الاختبار وشجاعته ومهابته ويعرفون (٢٢٩) كذب الكاذب بضد ذلك، ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة، وسئل بعضهم عن كلام سمعه من متكلم به فقال: والله ما فهمت منه شيئا الا أني سمعت لكلامه صولة ليست بصولة مبطل فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت) ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج ما يكونون إليه في قبورهم ويوم معادهم كما في صحيح مسلم (٢٣٠) من حديث البراء (٢٣١) بن عازب عن النبي ﷺ: أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر (٢٣٢)، وقد جاء (هذا) (٢٣٣) مبينا في أحاديث صحاح فمنها ما في المسند من حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: كنا مع النبي ﷺ في جنازة فقال: (يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه
_________
(٢٢٧) النساء: ٦٦ انظر تفسير الكشاف ١ / ٥٣٩.
(٢٢٨) في ع (وأجبنهم تلوما) وفى م (أجبنهم وأكثرهم تلونا) .
(٢٢٩) زيادة في م، ع (٢٣٠) هو الحافظ الحسين بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابوري ولد سنه ٣٠٤ هـ.
(٢٣١) البراء بن عازم بن الحارث بن عدى الانصاري انظر تجريد الاسماء الذهبي ١ / ٤٦.
(٢٣٢) مسلم ٤ / ٢٢٠١، ٢٢٠٢ صحيح البخاري ٣، ١٠٤ / ١٠٥ والنسائي ٤ / ٨٤.
(٢٣٣) زيادة من م، ع.
(*)
1 / 42